يخيم على شريحة كبيرة من مجتمعنا كابوس مزعجن، بل أصبح هذا الكابوس واقعا مريرا نراه ويراه الصغار والكبار، فأصبحنا نتجرع هذا الواقع المرير الذي لم يغادر حتى الآن مجتمعنا. تعتصر قلوبنا ألماً على مستقبل أجيالنا وهم وسط هذا المسرح الكبير الذي يؤدي فيه دور البطولة؛ أرجوزات المحتوى الهابط وهم كثر في مجالات عدة. لكن هناك من يتظاهر بالاعتدال والمحتوى الجيد وهم عكس ذلك، بل هم أسوأ أنواع الأرجوزات؛ هم المداحون الجياع الذين يطلقون على أنفسهم شعراء، وشعرهم ومحتواهم هو المدح والهجاء والهمز واللمز، فقد انتهكوا كل حدود الأدب والأخلاق من مدح بدون معرفة، وذم من لا يتفضل عليهم. هؤلاء المدّاحون الجياع والذين يتسولون بشعرهم على موائد الآخرين، هم شحاذون من الدرجة الأولى، بل محترفو تسول هذا العصر، فهم يتسولون ويرتزقون دون أن يرى أنه (متسول). فصنعوا لهم بيئة إعلامية ينتفعون من خلالها في ظل وجود الغوغاء ومحبي الرياء ممن يبحثون عن المدح والسمعة من خلال مديح الشعراء، سواء رجال أعمال كانوا أو مشائخ أو أعيان أو من حديثي العهد، وهم كثر. في مقالي هذا بحثت عن عدد كبير من هؤلاء المداحين الجياع، فوجدت أن أغلب أشعارهم أن لم تكن كلها فقط مدح، وعلمت أنها تجارتهم التي لا تبور، كيف لا والمجتمع فيه من السذج محبي الظهور الكثير والكثير. فهناك مقوله تقول «لا يوجد النصاب إلا في بيئة الطمع». المداحون الجياع من الشعراء في ظل الإعلام المفتوح الذي يفتقد للرقابة، أصبحوا كمغنيات الأفراح، السعر حسب كثرة الظهور الإعلامي. لكن وجد ما يدعو للتفاؤل، فهناك صحوة فكرية كبيرة التمستها مؤخراً في عدم مبالاة الأكثرية بما يقول هؤلاء المرتزقة المتسولون، بل أصبح الكثير لا يهتم، لقناعته بأن ما يقال مدفوع مسبقاً أو سيقبض ثمن كلماته لاحقاً. وهناك بعض من يسمون انفسهم شعراء لن تجد لهم بيت شعر واحد يتداوله الناس، كل تركيزه يصب في مدح فلان وفلان، ويتوجه بتاج كسرى وفتوحات قيصر، ويقول فيه ما لا يقال في الصحابة والتابعين. وهذا هو ما يحصل عندما يقدم الإعلام المنحط مثل هؤلاء، فقد فتحت لهؤلاء المتسولين نوافذ ينفثون من خلالها تفاهاتهم، إما في بعض القنوات أو في ظل السنابات والحسابات المخالفة التي تحمل أسماء قبائل، حتى أصبح هؤلاء المرتزقة يلعبون فيها أدوار البطولة بشكل يومي. إن هذا المديح يغيب الفكر الواعي، إن أردنا أن نكون مجتمعا واعيا ومدركا، ونكون حصنا حصينا أمام كل تحديات العصر الذي يروج للتفاهة والسفه، فعلينا أن نهتم بتطوير الوعي. عندما يكون الوعي هو السمة البارزة في أي مجتمع، تجده عصيا على كل هذه التفاهات والأفكار، عندما نملك الوعي نكون مجتمعا منتجا متطورا.