شدَّني هذا العنوان لتجربة صفية مميزة لمعلم، سماها سلَّة الملغيَّات، وتقوم فكرتها على إعطاء الطلاب عدداً من الأنشطة التي تهدف إلى تقويمهم، ولا يقبل المعلم إلا درجة عالية من الإتقان، وأي نشاط يخفق فيه الطالب يضعه في سلة مجاورة للسبورة سماها سلَّة الملغيَّات، ولا تُحسب درجات الأنشطة الملغية. ويظل الطالب يتدرب على المهارة حتى الإتقان، وتحسب له درجة الإتقان فقط، وما يكون في السلة من أنشطة لا يُحتسب وكأنه لم يكن. ولعلَّ الكثير منَّا قد يتذكر توبيخ معلمٍ لخطأ ارتكبه طالب ما زال يتعلم، وكان التوبيخ الذي ناله من المعلم سبباً في كره مادته، أو العزوف عنها، بل في أحايين كثيرة هجر المدرسة، وترك طريق العلم بسبب ذلك التوبيخ وعدم وجود سلة للملغيات لدى ذلك المعلم. عندما نتأمل هذه التجربة المميزة ندرك أهمية المحاسبية الحقيقية التي تهدف للإصلاح وإعطاء التغذية الراجعة من أجل التحسين، وليس من أجل الدرجات، أو العقاب، ولهذا المعلم تحية إجلال وتقدير على فكرته المميزة والرائعة بكل المقاييس. وعلى النقيض من ذلك شعرنا بمزيدٍ من الألم، بل والغضب بسبب الخبر الذي تناقلته بعض الصحف قبل أيام عن انتحار أحد الموظفين بسبب تعسف المدير وعدم قبول عذره وحسم أيام غيابه، مما أدخله في حالة من الاكتئاب أدت به في النهاية إلى قتل نفسه وإنهاء علاقته بالحياة كلها وليس العمل فقط، ولو عمل هذا المدير بفكرة سلَّة الملغيَّات، وسعى للبحث عن الأسباب الكامنة عن غيابه، وحاول مساعدته، لما كان ما كان، ولبقي هذا الموظف حياً يملاً حياة أبنائه بالحب والفرح. إن القائد المؤثر هو الذي يتمكن من تفهم ظروف موظفيه، وإعطائهم الفرصة تلو الأخرى، ليس دعماً للتسيب، ولكن من أجل الإصلاح، وإعطاء المزيد من التوجيه، وتنويع الخيارات أمام الموظفين لأداء المهام، ووضع العقاب في نهاية تلك الخيارات وليس أولها، وسيجد في النهاية أن سلَّة الملغيَّات ستضع حداً للأخطاء مع تكرار التحسين والوصول إلى الإتقان المنشود للمهام. ولعلَّنا في حياتنا الأسرية نحتاج وبقوة لفكرة سلَّة الملغيَّات، وأن تكون علاقاتنا بأبنائنا وأزواجنا وكل من نحب تعتمد في الأساس على الصفح والتجاوز عن الزلات، وعدم التركيز على تعداد الأخطاء وتكويمها من أجل العقاب العاجل، وأحياناً الماحق والنهائي، والمبرر لذلك أن هناك أخطاء لا تُغتفر، وهي مقولةٌ ينبغي أن تُمحى من قاموسنا، فكل ابن آدم خطَّاء وخير الخطّائين التوابون. والتجاوز عن الزلات والتسامح هو صفة من صفات الكرام الأبرار، ولو سادت في المجتمع لما رأينا حالات الانفصال التي تحدث نتيجة التعجل، وعدم وجود سلَّة للملغيَّات في حياتنا. ولعلَّ من أجمل ما قيل في سلَّة الملغيات بين الأصدقاء ما عناه أبو العلاء المعري حين قال: أغمضُ عيني عن صديقي كأنني لديه بما يأتي من القبح جاهلُ... وما بي جهلٌ غير أن خليقتي تطيق احتمال الكرهِ فيما أحاولُ