كثير من الأحداث التاريخية التي تمت ترجمتها إلى أعمال فنية ومسلسلات لم يوفق من تحمل عبء تحويلها من قصة تاريخية واقعية إلى قصة درامية يؤدي أدوارها فنانون لا يعرفون عن الواقعة في الغالب إلا ما يكتب لهم في الأوراق من قبل مؤلف النص. وهذا في نظري ساهم في نقل صورة مغايرة عن واقع الأحداث التاريخية للأجيال التي جاءت من بعد وأصبح لديها فجوة فيما بين ما وجدوه في كتب التاريخ وما شاهدوه على شاشات التلفزة من تجسيد لبعض الأحداث التاريخية بصورة مختلفة عن واقعها فاحتاروا في أمرهم. من الأعمال الفنية التي جسدت أحداثا وشخصيات تاريخية مسلسل الحجاج بن يوسف الثقفي الذي عرض قبل عدة سنوات على بعض الفضائيات ودار جدل واسع حول الأحداث التي تم تجسيدها في الدراما والأحداث التي تحتفظ بها كتب التاريخ. ربما يكون إخراج الحدث التاريخي في مسلسل درامي يحتاج إلى حبكة معينة وبعض الإضافات الفنية التي تسهم في نقل الصورة التاريخية، ولكن في كثير من الأحيان تكون هذه الإضافات مشوهة للتاريخ ومزورة للحقائق وهذا يعطي الجيل صورة مغايرة لواقع الأحداث التاريخية. في هذا العام تجدد الجدل حول مسلسل "ساهر الليل 3" الذي يعرض في بعض القنوات الفضائية الخليجية ويحكي قصة الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت في عام 1990م، ويرصد جزءا من معاناة الأشقاء الكويتيين إبان حرب الخليج. وهذا المسلسل جاء في الوقت الذي ما زال المواطن الخليجي والعربي يتذكر فيه واقعة الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت بكل تفاصيلها وخاصة من عاشها مع الأشقاء الكويتيين الذين فضل كثير منهم قضاء فترة الاحتلال في إحدى الدول الخليجية المجاورة والتي فتحت ذراعيها لاستقبال الأشقاء الكويتيين. عقدان من الزمان لم يكونا كفيلين بنسيان أحداث حرب الخليج التي كنا نتابعها بشغف ونحن صغار، ونلتقي بأندادنا من أبناء الأشقاء الكويتيين الذين لجأوا للمملكة ليسردوا لنا تفاصيل مؤلمة لم ينقلها الإعلام. تجسيد هذه الواقعة المؤلمة من قبل بعض الفنانين الكويتيين خطوة موفقة من حيث الفكرة وخاصة أن الجيل الجديد الذي جاء خلال العشرين عاما الماضية يسمع عن تلك الأحداث ويتعطش لمعرفة أدق تفاصيلها، لكن سرد الأحداث وعرض تفاصيلها لم يكن كما ينبغي. لقد أغفل كاتب العمل ومخرجه أحداثا كثيرة في غرو العراق لدولة الكويت الشقيقة، ولعل من أبرزها المواقف الإنسانية للأشقاء الكويتيين أنفسهم فيما بينهم ومواقف الأشقاء الخليجيين الذين كانوا يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة من أجل أشقائهم الكويتيين، إضافة إلى أن العمل كان محصورا في عائلات لا يتجاوز عددها أصابع اليد، فلم يخرج العمل خارج الكويت آنذاك والعالم جميعه يعيش الأزمة، حتى الشخصيات القيادية العراقية كان يفترض تجسيدها. ربما كانت الإمكانات في العمل محدودة، ولكن كان يفترض ألا يخرج مثل هذا العمل إلا بصورة متكاملة تحاكي الواقع فقصة غزو الكويت وحرب الخليج من القصص الدرامية التي ينبغي أن تجسد للتاريخ وتنقل للأجيال المقبلة ليعيشوا تفاصيلها بكل ما فيها من ألم ومرارة وفصول مأساوية.