ما إن يصرخ الطفل أو يبكي حتى تبادر الأم إلى حمله ووضعه أمام التليفزيون، تاركة للأغاني (سواء تلك المصنفة لأنها أغاني للأطفال أو لغيرهم) الصادحة منه بألوانها الضاربة وموسيقاها المكررة البسيطة وحركاتها المتعددة أن تهدهده وتسكته. وجدت كثير من الأمهات الراحة في سلوك مثل هذا، يغنيهن عن مكابدة عناء الاهتمام بالطفل لدقائق، ورأت كثيرات منهن في القنوات المخصصة للرقص والغناء، منقذًا لهن من شغب أطفالهن الصغار. وكشفت دراسات كثيرة قوة التأثير الذي تتركه قنوات الأطفال التي تركز على الموسيقى والرقص، بشكل مباشر على حاسة السمع، والتشويش الذهني عند الأطفال، محذرة من خطورة إدمان الأطفال على مشاهدة هذه القنوات، ورأوا أن ضررها الأقل أنها تقود الطفل إلى الصمت، وإبعاده عن محيطه، رابطيه بينها وبين أعراض عدة مرتبطة بمرض التوحد، يتجلى أبسطها في عدم استجابة الطفل لمناداته، واللعب بمفرده، وحركته ونشاطه المفرط، والخمول، وعدم التواصل البصري. الأم الثلاجة تناولت دراسات عربية عدة هذا الموضوع بالتحليل، حيث أكدت إحداها أن تعرض الأطفال دون سن الثالثة إلى هذه القنوات يؤثر على قدراتهم، ولا سيما في النطق والتواصل الاجتماعي والذاكرة الخيالية، خصوصًا حين لا تكون لهجة أو لغة الأغاني مفهومة بالنسبة إليه، حيث ينصب تركيزه على الإيقاع، والصورة، وهذا يشتت انتباهه، ويعيق تعلمه النطق أو الكلام. وبينت تلك الدراسات أن إهمال الأمهات قاد إلى تسمية الأم ب«الأم الثلاجة» التي تترك طفلها أمام التليفزيون ساعات كأن تلك القنوات معنية بتربيته. وكانت دراسة سعودية شددت على أن الانفصال عن الواقع وتعطل القدرات العقلية والجسدية هو أبسط النتائج السلبية لمتابعة الطفل للقنوات الفضائية المخصصة للأطفال. ويشير مختصون إلى أن كل النتائج لم تمنع بعض الأسر من ترك أطفالها للقنوات الفضائية رغبة في إرضاء طلباتهم ورغباتهم، واعتقادًا منها أن هذه القنوات تنمي قدرات الطفل المعرفية، وتشغلهم عن والديهم. هموم على الإنترنت انتقلت أغاني الأطفال من الشاشات لتملأ المحتوى المقدم على الإنترنت لتأثيرها الكبير في المجتمع، حيث تجذب الأطفال وتلفت انتباههم لما تحويه من مؤثرات سمعية وبصرية تجعل الطفل ينجذب لها ويهدأ طوال فترة سماعها ومشاهدتها، فينعم الأهل بقليل من الراحة والهدوء، ما يدفعهم لتكرارها لإشغاله. تقول أم بندر «قديمًا كانت الأغاني التي يستمع إليها الأطفال ويرددونها قليلة جدًّا، وكأن أغلبها يأتي من الموروث الشعبي، وبعض شارات مسلسلات الكرتون». وتضيف «كأن أبناني، وهم من مواليد الثمانينيات والتسعينيات الميلادية ينتظرون تلك الأفلام حتى ينشدون معها، ومن ثم كانوا يرددونها في أوقات فراغهم، أما اليوم فتملأ هذه الأغنيات الفضاء، منها ما هو عربي ومنها ما هو أجنبي». بدورها، تقول أم أنس «مع كثرة المحتوى المقدم من هذا النوع أصبحت احتار في اختيار ما يستمع إليه طفلي، ومع رقابتي الشديدة والصارمة، إلا أنني أفاجأ بأطفالي يطلبون مني تشغيل محتوى لم يسبق لي أن سمعت به، بعضه بالعربية وبعضه بالإنجليزية. فقدان السيطرة توضح أم عبدالله «أنا أم لأربعة أطفال، أعمارهن متقاربة، وأحيانًا أشعر بالعجز وفقدان السيطرة عليهم، فألجأ إلى اليوتيوب لتشغيل قائمة أغاني الأطفال الهادفة التي تساعدني في تهدئتهم، وتساعدني في تعليمهم بعض الأساسيات مثل تنظيف الأسنان وضرورة غسل الأيدي». وتقول أم طلال «أنا أم لطفلين، وأنا موظفة، ومع ضغط العمل والأطفال أرغب ببعض الهدوء والسلام النفسي، ورغم يقيني التام بضرر أغاني الأطفال، فإنني اضطر أحيانًا لأن أسمح لهم بالمشاهدة». انتقاء المحتوى بالرغم من المخاطر الجمّة التي تحدث عنها المختصون من إشغال وقت الطفل بمثل هذا المحتوى سواء على الشاشات أو الهواتف المحمولة وغيرها، فإن أمهات يركزن على المحتوى، وكأن المشكلة تكمن في نوعية ما يقدم للطفل فقط، وليس في انشغاله بالشاشة وانعزاله عن محيطه. وتنصح الأستاذة غادة إبراهيم، وهي معلمة صفوف أولية الأمهات بالابتعاد عن المحتوى العامي قدر الإمكان، وانتقاء محتوى تعليمي وهادف وفصيح حتى يستطيعوا الاستفادة من ذلك الوقت الذي يقضونه في مشاهدة التلفاز على المدى الطويل، فيصبح تعلم اللغة العربية سهلًا على الطفل ما يجعل العملية التعليمية سلسة. تقول أم سجى «ابنتي في عمر الخامسة، وتستمتع بمشاهدة بعض الأغاني على اليوتيوب الأمر الذي يجعلني حريصة جدًّا على انتقاء المحتوى، فأنا أريدها أن تتسلى وتستفيد في الوقت نفسه فاحرص على اختيار الأغاني التعليمية». وتقول أم سعيد «أحرص على انتقاء ما يشاهده أطفالي بحيث يكون محتوى ذو قيم إسلامية وابتعد عن كل ما يحوي موسيقى صاخبة أو بعض الأفعال غير الحميدة. وتقول سجى ذات الخمس سنوات «أكثر ما يعجبني في أغاني الأطفال الحركات الاستعراضية التي يقومون بها». ويقول عبدالله ذو الست سنوات «تعلمت من الأغاني الحروف باللغتين العربية والانجليزية». تأثيرها سلبي أم إيجابي تقول مها محمد، وهي حاملة ماجستير تربية خاصة «غالبًا ما ينشأ طفل توحدي نتيجة التنشئة الأسرية غير الفعالة، وتلعب قنوات الأطفال وتلك الأغاني التي تقدم للطفل بمحتواها العربي أو المدبلج تلعب دورًا كبيرًا في إصابة الطفل بالتوحد، لأنهم يقضون أمامها وقتًا طويلًا ولا يتفاعلون مع غيرهم من الأطفال أو حتى الأب والأم ما يتسبب في انفصالهم عن الواقع تمامًا وانعزالهم عن محيطهم، كما تؤثر على عملية النطق والتخاطب نتيجة عدم وجود تفاعل لغوي بين الطفل وأسرته، وعدم وجود مخزون لغوي في ذاكرته». ومع ذلك تضيف «ترى دراسات أنه يفضل السماح للطفل بمشاهدة التلفاز بعد إتمامه عاما ونصف العام وصولًا إلى الخامسة، شرط ألا يتعدى ذلك ساعة واحدة يوميا، ويفضل أن تقسم على مرتين، ثم زيادتها حتى ساعتين من ال6 حتى ال10 سنوات، مع الرقابة الأبوية لنوعية البرامج التي يشاهدها الأطفال ومحتواها، واختيار برامج غنية بالمهارات الفعالة المناسبة لكل مرحلة، مع توجيه الطفل نحو الألعاب والأنشطة التفاعلية التي تنمي شخصيته». وأضافت «من الجيد اعتماد برامج مخصصة للأطفال، على أن تكون متنوعه تستثير اللغة والتخاطب والحركة والانتباه والتركيز، ولا تثير التشتت، وأن تساعد الطفل على حفظ الحروف والمهارات الحياتية» ماذا يحدث للطفل الصغير عند متابعة قنوات الأغاني؟ يستمتع بالإيقاع لعدم فهمه الكلمات يحاول التركيز على الصورة المتغيرة يجد صعوبة في متابعة الصور المتحركة بشكل لا يلحقه دماغه يلتصق بالشاشة محاولًا تتبع حركات الأطفال ورقصاتهم يظهر عليه بعد أشهر التركيز المباشر على الشاشة، وعدم النطق يترافق هذا مع تشتت في الانتباه عما هو خارج الشاشة يبدأ الطفل في الابتعاد عن الاندماج مع محيطه يفضل التركيز على برامج تعلم الطفل أسماء الأشياء حوله أضرار تعلق الطفل بالشاشات تأخّر النطق عند الأطفال تأخر التحصيل العلمي عدم الاستجابة لما حوله التأثير على سلوك الطفل وأخلاقه العزلة والانطواء وربما العنف إهدار الوقت فيما لا يفيد تقليل النشاط البدني إيذاء العين