ارتبط الإنسان بالماشية منذ بداية الحياة على هذا الكوكب، فاحتلت الأنعام أهمية بارزة في حياته، حيث كان يتم اختيار الموطن بناء على توافر العشب والماء الذي تقتات وتشرب منه الحيوانات. كما كانت الناس ترحل إذا قل الماء والعشب، خوفا على مواشيها من قلة الغذاء. وكانت الحروب تقوم بسبب الصراع على الكلأ والماء، ومنها حروب استمرت لعشرات السنين، ومات بسببها الكثير من الناس. وفي عصرنا الحديث، ومع ظهور السيارات وانتشار العمران والحياة المدنية في كل مكان، قلت رقعة الرعي، وابتعد الناس عن مهنة الرعي بسبب أنها مرهقة. كما أن الراعي يغيب عن عائلته فترات طويلة، يقطع فيها أماكن منعزلة وشديدة الوعورة في البراري والبوادي، ويقضي وقته وحيدا منعزلا عن البشر، محروما من الحياة الاجتماعية وأخبار العالم، ووسائل الرفاهية والعيش الرغيد مثل الكهرباء والمكيفات، يكسر البرد عظامه في الشتاء، وتحرقه الشمس في الصيف، ويقطع مسافات طويلة بين المدن والقرى، وقد تهاجمه الحيوانات المفترسة أو تلدغه الأفاعي والعقارب، وهذه المصاعب تزيد من احترامنا لمهنة الرعي، التي هي مهنة أشرف خلق الله جميعا. وعلى الرغم من المدنية، فإن الثروة الحيوانية بقيت شيئا في غاية الأهمية، فالإنسان يستهلك الحليب والمنتجات الحيوانية منذ بداية حياته حتى نهايتها. ومن أجل هذا، اتجه المستثمرون إلى المشاريع الحيوانية في المزارع المغلقة، حيث توضع المواشي في حظائر، ويقدم لها الطعام. هذا الأمر أدى إلى ازدهار تجارة الأعلاف، وزيادة الطلب على هذه السلعة، حيث إن الأعلاف لمشاريع الألبان والتسمين والدواجن تعادل في أهميتها أهمية الدم للجسد. ونشأت، بشكل متواز لتجارة الأعلاف، صناعة نقل الأعلاف، وهي من المشاريع المربحة جدا. ومن هنا نستنتج أن الأعلاف تحولت إلى محرك اقتصادي، يؤثر في قطاعات تجارية واسعة ومتعددة، وممكن أن يقضي عليها ارتفاع سعر العلف. فكثير من الناس لا يدرك أهمية الثروة الحيوانية، فمن الماشية نحصل على الغذاء الذي نقتاته، وهناك الصناعات الغذائية التي تقوم عليها شركات كبرى، رؤوس أموالها بالمليارات، وتوجد في كل دول العالم تقريبا مثل شركة نستله، فليس هناك منتج غذائي لا يحتوي على حليب أو زبدة أو لحوم أو حتى بيض. فتخيل تأثير سعر العلف في الشركات والمستهلك، ولا نغفل عشرات آلاف فرص العمل المرتبطة بالثروة الحيوانية والصناعات الغذائية. وفي كل دولة أيضا هناك قطاع المطاعم، وارتفاع سعر العلف يعني ارتفاع سعر اللحوم والمواد الأولية التي يحتاج إليها هذا القطاع، مما سيضطره لرفع أسعاره، وبالتالي انخفاض مبيعاته، الأمر الذي سيقلل من الوظائف فيه، وهو ما سيؤدى إلى انعكاس سلبي في الاقتصاد والمجتمع بشكل عام، حيث إن أسعار المطاعم عامل جذب مهم وخطير للسياحة، فالسائح يسأل بشكل رئيسي عن سعر السكن وأسعار المطاعم، حيث إنه يمضي جل وقته في المطاعم والمقاهي، لذلك يريد أسعارا مناسبة وخيارات متنوعة. كما سيتأثر بارتفاع أسعار الأعلاف قطاع التجزئة، الذي يعتمد بشكل كبير في مبيعاته على المواد الغذائية. ولا ننس أيضا أنه عندما يرتفع سعر الغذاء، فإن المستهلكين سيخصصون الجانب الأكبر من دخلهم للمواد الغذائية، فالأولوية هي للغذاء طبعا، ونتيجة ذلك سيستغنون عن سلع أخرى أقل أهمية أو يمكن الاستغناء عنها، وهو ما سيؤثر في أرباح قطاع التجزئة، ولا سيما أن هامش الربح في المواد الغذائية ضئيل جدا. وهناك تداعيات أخرى ستنتج عن ارتفاع سعر الأعلاف، منها تقلص قطاع الثروة الحيوانية بسبب خروج كثير من المربين من السوق، هربا من الخسائر، وبالتالي انخفاض المنافسة، وزيادة الأسعار، وتدني الجودة، واللجوء إلى الاستيراد، مما سيؤثر في قيمة العملة الوطنية، وارتفاع أسعار باقي السلع. كما أن المنتجات الحيوانية تدخل في صناعة الملابس والأحذية والأدوية، التى ستتأثر بأداء السوق الحيوانية. لذلك، سأعرض حلا لهذه المشكلة في المقال القادم، إن شاء الله.