يظن الكثير أن السجن هو السجن المعروف، الذي يتم فيه إيداع الشخص في مبنى مُحاط بالكثير من الأسوار الشائكة، ليجلس بمفرده أو مع جماعة خلف الكثير من القُضبان الحديدية، وسط حراسة بشرية وتقنية مُشددة، حِفاظاً على المجتمع من كل المخاطر الممكنة والمتوقعة. ولكن هناك أشخاص سجناء رغم وجودهم في الهواء الطلق! هم سجناء في سِجن الماضي وكل أفكاره المعيقة، ذلك السجن الذي لا يستطيعون الخروج منه تطاردهم أخطاء الماضي أينما كانوا. ويمكن أن يسجن بعضهم في بعض صورهم الذهنية، التي تمكنت منهم، وتغلغلت في أعماقهم، وأصبحت تعيقهم عن أي تقدم منشود، وتمنعهم من كل تغيير مرغوب. ويمكن أن يسجن الإنسان في عاداته وتقاليده، التي حتى ولو كان بعضها لا يتفق مع الدين! إلا أنه يظل مقيداً بها ولا يستطيع الفِكاك خوفاً من الخروج من القطيع، ورهبة من صناعة التطوير والتجديد. وبعضهم تسجنه الحسناوات في عيونهن الفاتنات، فتتحول حياته رأساً على عقب، وتصبح قراراته بأيديهن، وإرادته في قراراتهن، ويتحول الى خاتم في أصابعهن لا يقدم ولا يؤخر!. وربما يسجن البعض في التبعية العمياء لبعض التيارات الفكرية، أو الأحزاب السياسية فيصبح رهناً لها، ويظل إمعة خلفها، وخادما تحتها تقوده إلى حيثما تريد، وتحقق من خلاله كلما ترغب! فتربح ويخسر. وقد يسجن الشخص خلف شخصيته الضعيفة، فيعيش في دور الضحية قابعاً في سجنه يتبع جلاده أينما ذهب! وقد يكون هذا الجلاد مديره في العمل، أو أخوه الأكبر، أو أحد أصدقائه، أو ربما زوجته. السجن المعروف قد يكون أياما أو شهورا أو سنوات وينتهي.. لكن سجن الأفكار والتصورات الذهنية، والعادات والتقاليد، لا ينتهي طوال العمر.