كنت أشبهه في كل شيء من ملبس وسكن وسيارة وحتى في مظهره الخارجي الذي يبعث على الوقار والرزانة العقلانية. كانت الابتسامة لا تفارق محياه الطلق أينما لقيته أو قابلته، أجد لسانه معطرا بالذكر الدائم، ولقد كنت أغبطه على ذلك، وتمنيت أن أكون حاضر الذهن مثله من غير غفلة، وخاصة عندما نشق الطريق سويا نحو المسجد الذي كان قريبا من داره وداري. مضى على قدومه أو مكوثه في حينا سنوات بسيطة، وكان حديثي معه يقتصر على وقت لقائي به عندما كنا نذهب سويا إلى المسجد، ولم يحصل أن زارني في داري أو زرته في داره، مجمل الحديث كان في النصائح الدينية والحث على الخير التي دائما ما كان يسهب فيها بشكل كبير، وكان هذا منواله الذي يتبعه عندما ألتقى به. تصرمت الأيام يوما بعد يوم، فلم أعد ألتقي به إلا مرات قليلة، سألته مرة فقال إني آتي من الشارع الثاني حيث يكون المسجد أقرب إلي، صار هناك شيء من الجفاء من جانبه بشكل مستغرب، صرفت التفكير في البحث عن السبب. وفي أحد الأيام وبينما أنا خارج من المسجد لمحته وهو يهرول مسرعا خوفا من لقائي، وتسرب إلي الفضول فسألت أحد الخارجين من المسجد عن صاحبي فقال لي: إنني لا أعرفه جيدا ولكن تعرفت عليه من خلال ما ذكره لي إمام المسجد الذي تربطه معه علاقه جيدة، الذي كان يكيل له المديح بشكل مفرط على غزارة معلوماته في علمه التي كان يبحث فيها على نحو دائم. مرة أخرى تجاهلت الأمر وقلت في نفسي هذه هي حريته ومن العيب التدخل فيها، ولكن الصد الفجائي كان يحيرني، حاولت استرجاع أحاديثه معي لعلي أخطأت في حقه وأنا لا أدري، بقيت في حيرة من أمري بقيت تلاحقني حتى قررت معرفة الحقيقة. عندها ذهبت إلى إمام المسجد استفسر منه الأمر، وكانت الحقيقة مرة، راحت كلمات الإمام تنزع الصور التي طبعت في عقلي عن الرجل، فبعد كيل المديح الجارف في علمه تلته كلمات هي غاية في الجهل المتبقي الذي رائحته لم تنقطع من الواقع الذي نعيشه في تعصب قبلي جاهلي أعمى، ينزل إلى النظرة الدونية المستهجنة التي يصاحبها الفخر في الانتماء والعراقة في الأصل، التي كانت هي أساس ذلك التفوق العلمي. واتضح من حديث الإمام أن الرجل مكانته لا تسمح بالتعرف إلا على من كان في دائرة قبيلته، فسقط القناع عن رجل مزيف، مزمنة في داخل فكره داروينية (القبيلة).