ترك عبدالرحمن المدرسة وهو في السابعة عشرة من عمره لينضم إلى الثوار في حلب. ولم يعلم والداه قط أنه وصل إلى المدينة قبل أن يتلقيا اتصالا لتسلم جثته. وبحلول الليل كان والده في المدينة واقفا على سفح تل يعج بشواهد القبور البيضاء وقبور جديدة. واستخدم رفاق عبدالرحمن أياديهم ليغلقوا عليه مثواه الأخير وقد لطخت ملابسهم بالطين ودماء الفتى. وقال والد عبدالرحمن وهو رجل طويل القامة ذو لحية يعلوها الشيب ويرتدي جلبابا أصفر اللون "أصيب برصاصة في رأسه وأخرى في صدره. لم أكن أعلم أنه غادر بالفعل. علمت فقط لأنهم اتصلوا بي لإخباري بأنه استشهد". وهز الأب رأسه ببطء حيث كان لا يزال عاجزا عن تصديق ما حدث. ومضى يقول "كان في منتصف الصف العاشر لكنه تفرغ ليكرس حياته للثورة". ومد عشرات المقاتلين والسكان المحليين أياديهم لمواساة الوالد عبدالقادر الذي اكتفى بذكر اسمه الأول فقط". ومع احتدام المعركة للسيطرة على حلب يحرص الجانبان فيما يبدو على تفادي الكشف عن قتلاهم. ويعاد أغلب القتلى سريعا إلى عائلاتهم مما يحرم الصحفيين من فرصة تصوير جنازاتهم. لكن المصابين الذين يقاسون من الألم في المستشفى الصغير التابع لمقاتلي المعارضة في حلب يمثلون شهادة كافية على معاناة شعب في حرب مع نفسه. ومن بين خمسة شبان يعالجهم فريق من المسعفين المنهكين ينتمي أربعة إلى قوات الأسد. وقال طبيب متعاطف مع المعارضة "سنكون أفضل من النظام. سنعالج جميع المصابين". وذكر أحد الثوار "حين اقتحمنا مركزا للشرطة وجدناهم وقد تخلى عنهم نظامهم. نتعامل معهم بشرف". وتأوه جندي شاب من القوات الحكومية يدعى حامد من شدة الألم بينما كان المسعفون يخيطون جرحا في ردفه. وقال حامد "أريد أن أقول شيئا لجيش الأسد: أنتم خونة... حبسونا لأنهم ظنوا أننا سنحاول الهرب. فر كل أصدقائي من الجيش لكنني لم أنجح في ذلك". وفي السرير المجاور يهز أحد الثوار رأسه غاضبا وهو يتحسس الضمادات التي وضعت حول قدمه التي مزقتها نيران الأسلحة الآلية. وقال "إذا أمسك بنا النظام فإننا سنعذب ونقتل. ونحن نستخدم أدويتنا لتخفيف آلامهم؟ لا أظن أن هذا صواب. لكن ربما اخترنا الطريق الأنبل".