في مجمل حياتنا، هناك فترات تمر هادئة سلسة، بوفرة سعادة تُفتح لنا بها أبواب الصفاء والإنجازات والنجاحات في كل التفاصيل التي تحيط بنا، فنظن أن مركب أيامنا سيسير على بحر هادئ إلى ما شاء الله، ولكن.. وبسبب طبيعة الحياة المتقلبة التي يتجاهلها البعض عمدا في زحمة اليسر ويجهلها البعض الآخر، تهب علينا رياح عسر لا بد لكل إنسان أن يمر بها فنعاني ونحن نحاول أن نواجه عواصف المشاكل والخلافات والصراعات والصعوبات كي نجتازها ونعبر منطقتها الخطرة لنعود بمركب حياتنا إلى منطقة الهدوء التي حتما لن تدوم! هذه هي طبيعة الحياة على كوكب الأرض، وهذه هي فلسفتها التي لن يتأقلم معها إلا من فهمها فدرب نفسه على التقبل والرضا والمرونة في التعامل من عسرها ويسرها، أما من أمن لرخائها ومن ثم صدم من كفوف شدتها فحتما سيعاني نفسا وجسدا من تأثير ذلك عليه فيفقد هدوءه النفسي الذي حتما سيؤثر على جسده تعبا ومرضا، فيبدأ بالتذمر وعدم الرضا مفضلا عدم المواجهة فيبتعد معتزلا الحياة بما فيها من مباهج وبشر معتقدا أنه لوحده من قست عليه ظروفه وبخلت عليه الدنيا برفاهية العيش التي يتمتع بها الآخرون. نحن كبشر ما خُلقنا للراحة الخالدة ولا للشقاء الدائم، كما أننا بنو آدم لم يمنحنا الله، عز وجل، شرف مسؤولية تعمير الأرض من غير أن يخلقنا بأرواح وأجساد لديها من القوة والمرونة ما تستطيع بها التأقلم مع متقلبات الحياة ولكن تبقى هناك فروق بين البشر في تعزيز قوة البقاء على قيد الصحة النفسية والجسدية وبين التفريط بها تحت تأثير ضغوط رحلة العُمر. صعوبات الحياة هي المدرس الصارم المخلص في شرحه ولكنه قاسٍ جدا في إيصال دروس الحياة لنا، قسوته تزيدنا صلابة وتجعلنا بلياقة عالية جدا في التحمل والمرونة لنخرج من عنق زجاجة البأس إلى متسع الرخاء، هي الخبرات التي تجعل مع مرور الأيام الصعب هينا، مما يصنع داخل ذواتنا آلة تفتيت نفسية تسحق كل عثرة قد تعترض دربنا لتمنعنا من الوصول لأهدافنا. في رأيي أن في حياة كل منا كثير من الصعوبات التي تستحق أن نقف عندها كثيرا لندقق في تفاصيلها بهدف تجاوزها، لتكون نقطة تحول إيجابية نتغلب بها على التحديات دون استسلام يشل تفكيرنا عن كيفية مواجهتها للخروج من قلب إعصارها بأقل الضرر. الإنسان القوي الناجح هو القادر على مسك عصا التوازن وهو يمشي فوق أقسى الظروف وأصعبها مما يعطيه، بعد عون الله وحفظه، ثقة عالية بالنفس تجعله لا ينهزم، وإن أصابه من بعض الصعاب أذى لا ينكسر. هو إنسان يعيد تدوير المعاناة ليصنع منها دعائم ترمم ما تصدع ليطور ذاته وإمكانياته في التعامل مع ما حوله بشكل أكثر خبرة واحترافية تمكنه من السيطرة على حياته. تخيلوا معي، ماذا لو أن حياتنا خلت من التحديات. وكانت بلا فرص فيها تقتنص، ولا عقبات تواجه طريق أحلامنا لنتغلب عليها ونشعر بلذة الوصول إلى الهدف، تخيلوا أن كل شيء فيها سهل التحقيق، وأن كل الأماني متاحة لمن يطلبها فعل سيكون لحياتنا لون أو طعم؟ أم أن العمر سيمضي بنا ونحن نجر أيامنا فيه على أرصفة الملل؟ أعتقد أن لوجود التحديات في حياتنا لذة تداعب عقولنا قبل أن تستطعم لذتها حواسنا، وأن حجم تلك اللذة يتضاعف كلما عظم حجم التحديات والمصاعب التي نواجهها. لذا علينا ألا نيأس مهما كانت مشاكلنا.. علينا ألا نغلق جميع أبواب المحاولة والبدء من جديد بسبب ظروف أو صعوبات أو خذلان أو خيبات تجعلنا نشعر بصعوبة الوصول إلى كل شيء جميل.. علينا أن نتقبل كل ما يمر بنا برحابة صدر ورضا وشكر.. أن نجعل نظراتنا لكل ما حولنا نظرة تفاؤل وأمل.. فالتفاؤل جزء مهم وعامل أساسي للوصول بنا إلى السلام النفسي الداخلي الذى يتمناه الكثيرون، وهنا تكون المشاكل والعقبات أفادتنا أكثر مما قد نتصور.