يتعب النفس الإنسانية ويدخلها في دوامة من الحساسية والألم. والتفكير بعمق وتطلع يرهق القلب المرهف والإحساس المتعب وبالذات عندما يكون لدى الإنسان بعد ثقافي وفكري عميق، ومع ذلك يتظاهر أمام الآخرين بالبساطة تمشيًا مع مقولة إن السيد في قومه هو المتغابي. التفكير بعمق عندما يكون الإنسان ذا حس نقدي لا يقبل الأمور التي تتصف بالقصور، ولكن ظروف الحياة وتقلبات الدهر قد تجعل منه إنسانًا مترددًا يبتسم بسخرية، ويتظاهر بالغباء؛ لأن التفكير بعمق قد يؤدي بك إلى زلة لسان أو تصرف متسرع قد يساء فهمه، وهذا النوع من سوء الظن عندما يتزامن مع آراء متصيدة تبحث عن الخطأ في سبيل الإساءة، فإن هذا يؤدي بالفرد الطيب إلى أن يخسر جولات وجولات رغم ما يبذله من جهد وإخلاص. التفكير بعمق يقودك إلى يقظة الضمير الحي، وإلى المحاسبة الصادقة للنفس، وإلى عدم قبول تبريرات القصور والنقص، وعندها ستنظر إلى حياتك بسوداوية، وإلى أعمالك بتشاؤم، وإلى قيمة إنسانيتك بدونية، كما ستتأزم من حياة الازدواجية والخداع والتنازل عن مبادئ الإصلاح والقيم التي تتطلع إلى السمو والصدق البعيدة عن مطامع الدنيا والمصالح الشخصية وترف الحياة. عند ذلك سيؤدي بك هذا التفكير بعمق إلى انتفاضة فكرية ويقظة للضمير، يتم من خلالها التخلص من الأهواء الذاتية والمكاسب المترفة والأطماع البراقة. وقد يؤدي بك التفكير بعمق إلى الانزواء والخلوة وتجربة حياة الهدوء والسكون البعيدة عن القلق والتوتر والاتصالات، وعندها ستشعر بلذة عجيبة هي لذة راحة البال والخلود إلى مجتمعك الصغير وتماسكه، مخلفًا بريق العمل وأضواء الجاه ومتطلبات المنصب خلف ظهرك، مقتربًا أكثر من البسطاء والناس العاديين الذين منهم بدأت وإليهم تنتهي، والذين في حياتهم السماحة والبشر والهدوء وراحة البال والقناعة والرضا بالقدر خيره وشره غير عابئين باللهاث اليومي للحصول على المال بأي طريقة وبأي وضع تلفهم سحائب الرضا بالقبول والقناعة بما أعطاهم الله.. إن التفكير بعمق يرفعك إلى عالم من الخيال الممتع الهادئ، الذي قد يؤنسك ويجلب لك راحة البال وسكينة الفؤاد.