تزداد نار المنافسة كل يوم بين الكثير من الناس في الكثير من المجالات، فكل مجموعة تتقوقع في أي مكان ستنشأ بينهم منافسة سواء أكانت شريفة أو وضيعة. وترتكز هذه المنافسة على الرغبة في تحقيق المعنى عند أصحابها، والوصول إلى مستويات أعلى، وتحقيق أرباح مادية أكثر، وغيرها من الغايات التي لا تنتهي. وتقف إيجابية هذه المنافسة أو سلبيتها على هل كونها خرجت من عقلية الندرة التي يعتقد صاحبها أن العالم خالٍ من الفرص، ضيّق الخيارات، وبالتالي إذا لم يحصل على ما يريد سيفوته القطار، وستضيع عليه الفرص.. ولكي يعيش يجب أن يموت الآخرون، أو يذهبوا إلى أماكن بعيدة عنه. أو على العكس تماماً، كأن تخرج من عقلية الوفرة التي يرى صاحبها أن العالم مليء بالفرص التي لا تنتهي، وأن القمة تسع للجميع، وأن الخيارات واسعة، وأن رزق الله يفيض على الكون أضعافاً مضاعفة، وحصة كل شخص من عطايا الله مضمونة، فلا أحد سيقطع رزق أحد، ففضل الله يعم الجميع. ومن يفكر بهذا التفكير سيتعاون مع الجميع، وسيقدم للكل ما يستطيع من خدمات تعود بالنفع على الجميع. وتعرفهم من كلماتهم وأفعالهم فتجد أن صاحب عقلية الندرة يُكرر كلمات مثل: (لا تعطيه سر المهنة- قرشك الأبيض ليومك...- هذا يهدد مكاني- لا أستطيع مساعدتك)! وغيرها كثير، فهو بالمُجمل يُحب أن يُحمد بما لم يفعله، ويحب التسلق على ظهور الآخرين، إلى آخر أفعاله المليئة بالمنافسة الطِينية المسمومة. وعكسه صاحب عقلية الوفرة الذي نسمع ونرى الخير والتفاؤل في كلماته وأفعاله، فهو كريم مع الجميع ويتمنى الخير للكل، ويسعد بنجاحات الآخرين.. ولأنه يُنافس نفسه يدعم المبتدئين، ويشجع المنطلقين.. فهو يملك طاقة إيجابية تشع من قلبه في كل زمان ومكان، ينصف الجميع، ويعطي كل ذي حق حقه، وينسب الجهود لأصحابها، ويعطي من خبراته ووقته وجهده في سبيل أن يحقق أماني الجميع ليشكل بذلك أيقونة خير وفضل وعطاء. وكلما خففنا من لهيب المنافسة وجعلنا كل شخص ينافس نفسه، سنصل إلى حياة علمية أو عملية أو عائلية أو اجتماعية نقية، وستغيب الدسائِس، وتختفي المشاكل، وتغيب مظاهر الأقنعة التي يحتفل الناس فيها برحيل فلان من المكان الفلاني بالاستقالة أو الموت، ليتظاهر حينها سُفهاء المنافسة السلبية بالألم الوهمي والتضامن الكاذب، وينتهي حينها صراع الرغبات غير النبيل إلى الأبد. تظهر مشاكل المنافسة عندما يغيب عنك الشخص الذي تنافسه، لتفقد شغفك الذي ربطته بمؤثر خارجي، ولذلك الحل دائماً في منافسة الذات التي تجعلك تُقارن نفسك الآن بحالتك قبل عام، وتتحسس أحوال التغيير وفضائل التطوير بعيداً عن المقارنات مع الآخرين.. فمن قلبك الحيّ تبدأ كل الدروب المشرقة.