نظرة على الإبداع البشري - عموما - تنبئ عن مسحة الحزن والأسى... في أدبنا العربي لن تجد نصا يخلو من تعبير مباشر أو ضمني عن الغبن أو الرثاء أو الندم أو التظلم... إلخ... وحتى الذين تظهر لنا نصوصهم حياة المتعة الحرة، لم يتحرروا فيها ولن يستطيعوا، فهم يسرقون الحياة التي استطاعوا استلامها في غفوة الزمن عنهم. أتستطيع إخراج نص شعري أو روائي أو تشكيلي من الإطار الحزين المغبون؟؟ والحديث عن المؤثرات الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية - كمؤثر - غير كافي الدلالة. فهل نستطيع القول إن وعي الإنسان المصيري العام - عبر ثقافة الإنسان الاعتباري - أدت إلى هذا النمط؟؟ أم شعوره بالقصور الذاتي في الوصول إلى المطلق هو الذي خلق فيه هذه النبرة؟؟ فإن كان كذلك فلماذا نجد عند غيرنا أوتارا تمارس الحياة بقناعة ورضى وإن قلت تلكم الأوتار؟؟ أم لأن فنان الكلمة عينة خاصة لا تمثل عامة الناس تمثيلا إحصائيا جيدا، فهو أكثر رهفا وحسا من غيره، يهتز للمأساة أكثر من تفاعله مع متعة الحياة، لأن من المعلوم أن بينها والوعي النفسي تناسبا عكسيا... فكلما زاد الوعي ورهافة الحس نقص مقدار المتعة الحياتية العادية البسيطة، وإن زادت في مجال وعي الذات، ولذلك نجد هذا بين أهل الزهد والتصوف جليا واضحا لاعتقادهم التجلي أكثر من غيرهم. ونجد نقص الوعي مدعاة مباشرة إلى السعادة، فبينها وبين النقص في كمية وأفقية ورأسية الوعي تناسب طردي. وتجد حب الذات لدى من أوتي كمية لا بأس بها من الغباء واضحا لا يحتاج إلى إيضاح... كما تجده أسعد من غيره، وهذه الظاهرة النفسية لم تفت أبا الطيب عندما عبّر عنها: ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم وناقش مع نفسك (باء السببية) في قوله: (بعقله).. أما في الأدب العالمي فحدث ولا حرج... قلما تستطيع ولوج نص استطاع مماهاة الحياة على اعتبارها سعادة. ولا أرى مرجعية كافية لتعليل ذلك سوى إنسانية الإنسان المرهفة بالمصيريات العامة، مما يساوي بين (معاناة) (وحرمان) الأميرين الشاعرين: خالد الفيصل وعبدالله الفيصل، ووتر محمد حسن فقي الشجي - من جزيرة العرب -، وبين الشاعر الفرنسي (جاك أوديبرتي) بجامع معاناة الإنسان لمجرد إنسانيته وخصوصية الحس والوعي، وليس لسبب الحرمان الاجتماعي المباشر حين يقول: (... إنها تأخذ مجلسها في ذهب موهن من الليل وإما أتخمت معدتي فدوّت فسأكشف للسأم النافذ عن درهمي الذي لم يكن في تمام استدارته ترى، أي شيء أعوزني إذن؟؟).