تطور قطاع البنوك والمصارف في المملكة تطوراً كبيراً، خاصة خلال الخمس عشرة سنة الماضية، سواء كان ذلك من ناحية الخدمات المقدّمة للعملاء، أو ابتكار آليات وتطبيقات إلكترونية، تسهل من إنجاز المعاملات، وأدى هذا إلى التوسع في الخدمات المصرفية إلكترونياً، عبر توظيف التطبيقات الذكية بطريقة مبتكرة لدعم الخدمات المختلفة؛ كالسحب، والتحويل، والإيداع، وسداد الفواتير والرسوم، مما أدى بدوره لاختصار الوقت وتقليل الجهد. ونظراً لأهمية القطاع المصرفي، والذي يعد ركيزة أساسية في تحقيق النمو الاقتصادي، إضافة إلى تعزيز الشمول المالي، فقد استمرّ الاهتمام بتطوير هذا القطاع، لتأتي موافقة مجلس الوزراء بترخيص بنكين رقميين بعد استكمال البنك المركزي السعودي «ساما» إجراءات الطلب للبنكين، وجاء هذا ضمن إطار تطوير منظومة القطاع المالي والمصرفي، والمساهمة في دعم وتنمية الاقتصاد، تماشياً مع أهداف رؤية المملكة 2030، في خلق عدة مبادرات خاصة بالتقنية المالية، تحقيقاً للتحول نحو اقتصاد معرفي قائم على التقنيات المبتكرة. وقد أدّت بعض الأحداث للتوسع إقليمياً وعالمياً في ظهور البنوك الرقمية، كان أولها الأزمة المالية العالمية التي حدثت عام 2008، وثانيها جائحة كوفيد19؛ الأمر الذي أدى إلى فرض واقع جديد في مختلف مناحي الحياة، خاصة في قطاع الأعمال، حيث تشير مصادر عدة إلى وجود قرابة ال 500 بنك رقمي موزعة توزيعاً جغرافياً في مختلف دول العالم، وهذا مطلب يفرضه الواقع الجديد حول العالم، لا سيما مع التوسُّع في استخدام التقنيات الحديثة في مجال قطاع الأعمال والتجارة الإلكترونية. وتتمتع البنوك الرقمية والمسماة أيضاً بالبنوك الجديدة أو البنوك المنافسة، بالكثير من المزايا التي تتميز بها عن البنوك التقليدية، رغم اشتراكها في بعض الخدمات، بحيث تقوم بتقديم خدمات مصرفية حديثة، مصممة بصورة خاصة للهواتف الذكية والعالم الرقمي، مع استخدام عالٍ للتقنيات الحديثة، كالبيانات الضخمة، من وثائق ومعلومات وما إلى ذلك، وكلها عمليات رقمية بحتة، بجانب تميزها في تقديم أنواع جديدة من المنتجات، مثل: قروض الأقران والعملات المشفرة، بينما تميل المصارف التقليدية للاعتماد لحد ما على الوثائق المادية، إضافة إلى أن البنوك الرقمية تعمل على تقليل تكاليف التشغيل وتحفيز المنافسة في القطاع المصرفي. ومن أبرز المواصفات التي تتصف بها البنوك الرقمية، تميزها بحركة البيانات السحابية العالمية، والأمن السيبراني، بجانب تطورها الكبير في مجال الابتكارات المدفوعة بتقنيات سريعة التطور، بسبب تقدمها في مجال الذكاء الاصطناعي، مع المرونة العالية في التعامل معها. في حين نجد أن بعض البنوك التقليدية تتردد في منح قروض مصرفية، خاصة للمنشآت الصغيرة ومتوسطة الحجم، نسبة لارتفاع مخاطر بعضها، نجد أن عدداً كبيراً من البنوك الرقمية الإقليمية والعالمية، لا تترد في توفير التمويل اللازم لهذه المنشآت، بجانب حرصها أيضاً على توفير حسابات مصرفية للشركات الصغيرة والمتوسطة، وقروض شخصية قصيرة الأجل تتميز بأسعار تنافسية للغاية. وقد تزامنت خطوات التسريع الرقمي في القطاع المصرفي في المملكة مع بداية تعافي الاقتصاد السعودي من تداعيات الجائحة، وقد جاء توظيف تقنيات التحول الرقمي في وقتها المناسب، فقد ساهمت بدورها في استمرارية الأعمال خلال الجائحة. وقد تمت الإشارة الى عدة أمور إيجابية في هذا الخصوص خلال أعمال المنتدى السعودي الأول للثورة الصناعية الرابعة، الذي أقيم مؤخراً بالرياض، بحضور الجهات ذات العلاقة بالقطاع المالي بصورة عامة، وقطاع المصارف والبنوك بصورة خاصة، للتأكيد على استمرارية الحكومة في دعم وتعزيز الابتكار في هذا القطاع المهم، من خلال عدة مبادرات، منها إنشاء أكاديمية مالية لدعم القطاع المالي، بجانب توظيف الأمن السيبراني لاستمرار نمو التقنيات السحابية، والتوسع في تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، والتي تأتي كلها ضمن إطار رؤية المملكة 2030، التي تشجع على الاستثمار في البنية التحتية لتقنية المعلومات، وتحليل البيانات، والخدمات الرقمية. ولذلك، استطاع قطاع البنوك والمصارف في المملكة مواكبة ديناميكية نظرائه على المستويين الإقليمي والعالمي، خاصةً باعتبار المملكة جزءاً من مجموعة العشرين، حيث ظلت «ساما» تدعم دوماً أنشطة الابتكار والرقمنة في قطاع الخدمات المالية، عبر عدة مبادرات تعزز القطاع المالي وتركز بصورة أكبر على الاقتصاد الرقمي، وإدخال التقنيات المالية، بجانب وضع ضوابط ومعايير إضافية لترخيص البنوك الرقمية، وقد سهل من ذلك كثيراً توفر بنيات متطورة في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، بجانب البنية الصلبة والقوية في مجال الأمن السيبراني في المملكة. ولعل ظهور بنوك رقمية محلية سوف يساهم في زيادة الثقة والاطمئنان في نفوس عملاء البنوك، لأنها داخل الوطن، وجاءت وفق ضوابط واشتراطات صارمة، كما أن تقديم خدمات مالية حصرياً عبر القنوات الرقمية، ومن خلال نماذج مصرفية مبتكرة، سوف يؤدي إلى المزيد من الشمول المالي، إضافة لتحفيز المنافسة بين البنوك المحلية، وشركات التقنيات المالية والتي ستحرص على رفع جودة خدماتها، بجانب زيادة مجالات الاستثمار في قطاع البنوك والمصارف، بصورة أوسع، سيما وأن البنوك الرقمية ستعمل على مواكبة أحدث التطورات في القطاع المالي العالمي، مما سيزيد من تحسين جودة الخدمات بشكل سريع ومستمرّ، بجانب تحسين تجربة العملاء. وهنا يثار السؤال المهم عن الأثر المترتب على النمو والزيادة في الطلب على خدمات البنوك الرقمية، وما هو تأثير ذلك على القطاع البنكي بشكله التقليدي الحالي؟ والأثر حاصل لا محالة على التعاملات المصرفية والقطاع المالي بصفة عامة. ولعل هذا الأمر يكون مبحثاً لمقال قادم بأمر الله تعالى.