قبل عدة أسابيع عم الحزن مدينتي تنومة والنماص، لفقدانها ثلاثة من أنبل وأكرم تلك المدينتين، إنهم باقون بيننا بذكراهم العطرة، لأنهم كانوا صادقين في كل أعمالهم، لم نر أيا منهم يستقبل ضيوفه برفع الصوت، أو نصب كاميرات التصوير ليتم تداولها بوسائل التواصل الاجتماعي للمباهاة، فقد كانوا كرماء ويعملون الخير لجميع أفراد المجتمع، دون تفرقة بين مواطن ومقيم، لا يبتغون إلا مرضاة الله، فهم القدوة الحسنة للأجيال، وسوف أعطي نبذة مختصرة عن كل َمنهم وهم: 1 - عزالدين بن شار الشهري: هو من أبناء تنومة ولد وترعرع فيها، وقد غادرها وهو في ريعان شبابه إلى الرياض للبحث عن عمل، وشاءت الأقدار أن يعمل في مجلس الوزراء، الذي يقع في المربع بالقرب من مدرسة اليمامة الثانوية، ولاجتهاده ونشاطه غير العادي، وأخلاقه العالية، حظي بتقدير واحترام المسؤولين، وبالأخص رئيس الديوان في ذلك الوقت، محمد عبدالله النويصر، وتقديرا له أعطي سكنا له وأسرته الكبيرة، داخل محيط مبنى مجلس الوزراء، نظرا لأنه كان يعمل على مدار الساعة دون كلل أو ملل. و أصبح بيته مفتوحا للجميع لاستقبال الضيوف من الأقارب والأصدقاء، بل تعدى ذلك إلى المراجعين لمجلس الوزراء من مختلف المناطق. وقد كنت أدرس في مدرسة اليمامة الثانوية، فهيأ لي ولمجموعة من أبناء تنومة سكنا داخل المجلس، وتلك المجموعة وصلوا إلى أعلى الرتب في الدولة «المدنية والعسكرية»، وأنا منهم. وقد كان يهتم بنا، ولم أنس أنه في أحد الأيام وجدني مريضا، فأخذني بسيارته إلى عيادة خاصة في شارع الوزير، وكنا نحظى بالاهتمام الخاص من والدته/والدتنا السيدة فاطمة رحمها الله. كانت تشعر بالسعادة وهي تساعدنا وتعطف علينا، لأننا بعيدون عن أهلنا ولا توجد أي وسيلة للاتصال بهم، فقد وجدت أنا وزملائي العناية من هذه العائلة الكريمة، ووفر جميع الإمكانيات لخدمة الجميع. ورزقه الله بالزوجتين الصالحتين/ شهرة بنت فايز بن عبدالعزيز «أم خالد»، وعزة بنت علي بن فايز «أم فيصل»، أطال الله في عمريهما، حيث كان لهما دور كبير فيما يقوم به من كرم وضيافة للجميع. وأخيرا الشيخ عزالدين رجل لا مثيل له، فقد قدم المساعدة والعون للكثير من الناس حتى لمن لا يعرفهم، دون أن ينتظر الشكر من أحد، لأن كل ما قام به كان لوجه الله، فكان قريبا من الفقراء والمساكين، يعطيهم دون حساب، لأنه كان سعيدا بما يقوم به رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. 2- سعيد بن عبدالرحمن عوضة الشهري: نشأ وترعرع في تنومة قبل أكثر من سبعين عاما، حيث كان وحيد والديه، وفقد أباه وهو صغير، فذاق مرارة اليتم مبكرا، ولكن عوضه الله بأم حنون قوية الشخصية، سخرت حياتها لتربيته والعناية به، إنها السيدة حليمة بنت شباب رحمها الله، وكان أيضا يحظى بالاهتمام والمحبة من خاله والدي فايز بن شباب، لأنه رأى فيه النبوغ والذكاء الخارق، وبعد أن أنهى المرحلة الابتدائية، التحق بالقوات المسلحة، كعادة أقرانه في ذلك الوقت، وكان من ضمن أفراد الجيش السعودي الذي عمل في الأردن، في سبعينيات القرن الماضي، والذي شارك في حرب أكتوبر عام 1973م في سوريا، وبعد عودته للمملكة امتهن العمل الحر، بعد انتهائه من العمل في الجيش، نجح أحيانا وأخفق في بعض الأحيان، ولكنه لم ييأس، واستمر في التجارب، حتى نجح أخيرا رغم الصعوبات التي واجهته، لأنه كان يحمل العديد من الصفات الحميدة، ومنها الصدق والصبر والكرم والتمسك بالدين. وكان حكيما لا يبخل على أحد بتقديم المشورة والنصح، يعمل بكل هدوء وصمت، ويتصدق خفية بعيدا عن أعين الناس، ويساعد العائلات، ويدعم بالمال عائلات من كانوا يعملون معه، داخل وخارج المملكة. لقد أكرمه الله بتسعة من الأبناء الذكور، وعدد من البنات وكلهم صالحين، فقد منحهم الله من الذكاء والفطنة والطيبة والكرم والحكمة ما يعجز اللسان عن وصفه، فالبعض يعمل في الشركات الكبرى، وآخرون يعملون في التعليم والإدارات الحكومية الأخرى، والبعض يمارس التجارة، وكلهم ناجحون وهم أوفياء لأقاربهم وأصدقاء أبيهم. رحم الله الأخ سعيد وأسكنه فسيح جناته. 3 - أحمد بن علي بن عثمان البكري: نشأ وترعرع في النماص بقرية النييح، في أشهر قبائل بني شهر وهي قبيلة بني بكر، حيث درس المرحلة الابتدائية في مدرسة الخالدية، وكان منذ صغره يعمل مع والده وأعمامه في تجارة مواد البناء والمحروقات وغيرها، كما عمل سائق شاحنة، التحق بمعهد المعلمين وتخرج معلماً وخدم في التعليم حتى تقاعده. كان معروفا بالكرم ودماثة الأخلاق وحبه للناس وحب الناس له، إذا جلست معه لا تحب أن تفارقه لطيب معشره وحلاوة حديثه، يتصف بالحكمة ومساعدة الفقراء والضعفاء، لا يخشى في الحق لومة لائم، يقول الحق ولو على نفسه. كان يشارك الناس أفراحهم وأحزانهم، يزور المرضى سواء يعرفهم، أو لا يعرفهم. كان يحب أداء العمرة بشكل متكرر، خلف ثلاثة أولاد وأربع بنات كلهم صالحون ولله الحمد، حضر دفنه وبشكل تلقائي أكثر من ألفي شخص، كلهم صلوا عليه رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.