الذكريات الجميلة في حياة الإنسان كثيرة، محفورة في الذاكرة، كلما حن لها الإنسان أخذ يستعيدها وكأنها واقع وهي من الماضي. الثمانينيات الهجرية، ماضي الطفولة بعمر الزهور، ماضي الحياة الاجتماعية المتماسكة المترابطة، ماض يزخر بصور البساطة وكفاف العيش والبساطة. الحنين لفترة الثمانينيات الهجرية أمر محبب وقريب إلى القلب والعقل بالنسبة للجيل الذي تجاوز الستين من العمر. شوارع مدينتي الجميلة، شوارع عنيزة القديمة الضيقة، والبيوت المتلاصقة، والساحات الصغيرة في تلك الفترة الزمنية الجميلة. شوارع عنيزة القديمة التي ترعرع بها ونشأ على ترابها عشرات الآلاف من الرجال والنساء. شوارع عنيزة القديمة التي يعتز بها ويفتخر بها كل من لعب بتلك الألعاب البدائية الجميلة، تلك الألعاب البعيدة عن تدمير بساطة الإنسان. عشرات الآلاف يحنون إلى الأحياء القديمة والشوارع الضيقة الملتوية والمتداخلة. يتذكرون طفولتهم، وريعان أعمارهم، يتذكرون مدارسهم التي درسوا بها، المعلمون والمعلمات، المخبز الذي يعمل به ابن الوطن، الجزار (القصاب)، يتذكرون الفلاح، الفلاحة، الخراف، يتذكرون لعب كرة الطائرة بعد صلاة الفجر، يتذكرون ليلة العيد وجمالها، يوم العيد وجماله. يرحم زمان وليالي زمان».. رمضان اختفى من حياتنا وظهر في العالم الافتراضي. ذكريات الماضي الجميل لا تموت بل تنبض بأرواحنا! لماذا نحن للماضي؟ ربما الأحاسيس والمشاعر هي التي ما زالت تؤمن بالذكريات؛ باسترجاع اللحظات! حين يغفو العقل بعيدا عن الواقع بكل ما يحمل من جمال. كلما وقعت عيني على فيديوهات قديمة عن مديتني الجميلة عنيزة ذرفت عيناي على عماد تلك الفترة الزمنية من الآباء والأمهات والأصدقاء والأقارب والجيران والمعلمين الذي تحملوا بساطة تلك الفترة في التعليم. الحاضر جميل، لكن الماضي أجمل بطيبة أهله وتماسكهم وقربهم من بعض وثقتهم ببعض ومعرفتهم لبعض وسؤالهم عن بعض وتواضعهم وحبهم لبعض. أحن إلى الجلوس جانب عامود الكهرباء الوحيد في حينا، أحن إلى الوقوف على سطح البيت أراقب أذان المغرب في شهر رمضان. أحن إلى بيتنا الطيني الذي تحول إلى أطلال «هذي عنيزة ولا أدري وش أسميها... الشمس والا القمر والا السماء العالي». كلما أغمضت عينيي وتحولت تلقائيا إلى الماضي تذكرت كل أبناء حينا وأسماء العوائل، ترى هل هناك من يتذكر ذلك في وقتنا الحالي. شكرا لمن خدموا دولتنا الغالية من الرجال والنساء الذين عاشوا تلك الفترة الزمنية الجميلة الأحياء منهم، والأموات الله يرحمهم، شكرا للمعلمين والمعلمات لتلك الفترة الزمنية من السعوديين والأشقاء العرب. شكر الفلاليح الذين رووا الفلاحة بعرقهم. ما ذكرت عن مدينتي الجميلة ينطبق على مدن وقرى وهجر ومحافظات مملكتنا الغالية بمناطقها الثلاثة عشر. «تقضي في دجى الأشجان عمري*** وعشت على الأماني والهموم» شاعر عنيزة صالح الأحمد العثيمين، رحمه الله.