بينما كانت بغداد تحترق ذهب الرسام العراقي قاسم السبتي إلى أحد أقرب الأماكن إلى قلبه وهو أكاديمية الفنون الجميلة ليجد أن النيران قد اندلعت بالآلاف من كتبها وسجلاتها. لقد كان ذلك في أبريل 2003 عندما وصل الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة للعراق. وسرد السبتي الذي شاهد الحريق من شرفة منزله في وسط بغداد كيف احترقت ستة آلاف كتاب عن الفنون وكيف حاول إنقاذ بضعة قليلة من هذه الكتب قبل أن تلتهمها النيران. وقال إنه حاول إنقاذ كتاب يتضمن مناظر طبيعية روسية كان يحبه. وأضاف أنه كان يتابع دائما أعمال الفنانين الروس لمعرفة كيفية رسم المناظر الطبيعية لتدريسها لطلابه. وتابع أنه شاهد هذا الكتاب وهذا الحريق الهائل مما دفعه ليضع يديه داخل النيران لإنقاذ الكتاب إلا أن اللهب طال أصابعه وسقطت نصوص الكتاب في النيران ولم يتبق في يديه سوى الغلاف. وكان فقد الكتب ضربة هائلة للأكاديمية التي عانت لتجميع مقتنياتها خلال السنوات الأخيرة قبل الغزو جراء العقوبات والتمويل الهزيل. لكن بالنسبة للسبتي تحولت الكتب التالفة إلى مصدر إلهام فني استمر معه لنحو عشر سنوات. وقال إنه عندما شاهد غلاف الكتاب رأى شيئا فنيا مشيرا إلى الآثار التي خلفتها النيران والمياه على الغلاف المصنوع من الورق المقوى. واستخدم السبتي قطعا من الكتب لصنع لوحات فنية تتضمن صورا مجمعة استخدم فيها مزيجا من أغلفة الكتب والورق والألوان. ويحث الرسام البالغ من العمر 58 الناس على زيارة معرضه الصغير في بغداد ليتلمسوا أعماله الفنية بأيديهم وليشاهدوا عن قرب القطع التي استخدمها في أعماله مثل ختم أمين مكتبة وكتابات عربية بارزة في الهوامش. وبدأ مؤخرا في طباعة صور مكبرة من الكتب على القماش. ومنذ 2003 أقام السبتي معارض فنية في باريس ونيويورك وطوكيو وكيوتو. وقال إن الفنانين في بلاده يعانون أكثر مما سبق ليكسبوا قوت يومهم إذا ظلوا في العراق طوال الوقت. وأضاف خلال المقابلة التي أجريت في معرضه الذي يضم رسوما ومنحوتات لفنانين عراقيين آخرين أيضا أن عددا قليلا جدا من الفنانين بقوا في العراق. وقال السبتي إن الانقطاع المتكرر في الكهرباء يعني أن فن الخزف التقليدي العراقي اندثر وأشار إلى قطع صغيرة قليلة في المعرض صنعها أحد المدرسين في الأكاديمية. وتابع أن السنوات العشر الأخيرة مضت دون صنع أعمال فنية من الخزف. وقال إن عدد فناني الخزف المتبقين الآن في العراق ربما لا يتجاوز الخمسة في جميع أنحاء البلاد في حين أن عددهم قبل ذلك ربما كان يصل إلى 500. وأضاف أنه لا يوجد في بغداد سوى معرضين خاصين بينما كان يوجد بها أكثر من 20 معرضا قبل 2003، مما يعني أن عدد الأشخاص الذين قد يشجعون أو يشترون الأعمال الفنية أصبح قليلا. وعلى الرغم من تراجع أعمال العنف في العراق والتي وصلت لذروتها خلال الهجمات الطائفية التي قتل خلالها عشرات الآلاف في عامي 2006 و2007 إلا أن سلسلة التفجيرات التي شهدتها البلاد مؤخرا ألقت الضوء على التحديات الأمنية الكبيرة التي لا تزال تواجه العراق. وخلال الشهر الماضي قتل ما لا يقل عن 237 شخصا وأصيب 603 أشخاص آخرون في هجمات أغلبها بقنابل مما جعل شهر يونيو هو الأكثر دموية منذ انسحاب القوات الأميركية في نهاية العام الماضي. لكن لا يزال هناك بارقة أمل للسبتي وأقرانه. وتعهدت الحكومة الأسبوع الماضي له بتمويل 24 معرضا مقامة داخل معرضه لإظهار المواهب الفنية في البلاد. وقال إن هذه هي المرة الأولى التي يعرض عليه تلقي تمويل من الحكومة. وأضاف أنه كان لا يهتم في السابق بمساعدة الحكومة نظرا لوجود كثير من الزائرين المهتمين بالفن اما الآن فالفنانون بحاجة فعلا إلى المساعدة.