يعيش الوسط الرياضي هذه الأيام حركة تدوير متسارعة الخطى قبل أن يغلق باب الانتقالات الصيفية في ال25 من يوليو الجاري. وتشهد الفترة الحالية إعادة ترميم صفوف واسعة في الأندية بين اللاعبين السعوديين والأجانب، حيث يستقطب بعضهم محترفين جددا من الخارج، ويضع البعض الآخر عينه على من برز في الدوري الموسم المنقضي في ناد مجاور أو منافس. والواقع أنه منذ أن بدأ نظام الاحتراف في المملكة والانتقالات تتزايد بين اللاعبين، فالمحترف البرازيلي مارسيللو كماتشو، تنقل بين الهلال والشباب والأهلي، وها هو اليوم يعود للشباب مجددا مقابل 3.2 ملايين دولار لعام واحد، ويحذو مواطنه ويندل نفس الطريق، حيث لعب للاتحاد والشباب ويرغب فيه النصر. ووقع الاتفاقي عبدالملك الطريدي للاتحاد مقابل 4 ملايين ريال، وهو الذي كان لاعبا في صفوفه عام 2008 قادما من القادسية بعد تنافس مع الهلال الذي انتقل إليه في ذلك الوقت ب 6 ملايين ريال، لكن تم تنسيقه وانضم للاتفاق في 2009. والجزائري الحاج بوقاش لعب للقادسية الموسم الماضي ثم النصر وحط رحاله الآن مع الرائد. وسبق للمغربي صلاح الدين عقال أن ارتدى شعار الرائد والتعاون والاتفاق والحزم. ولعب وليد الجيزاني في الأهلي والشباب والحزم والنصر. وتنقل تركي الثقفي بين الأهلي ونجران والأنصار. وتنقل مازن الفرج بين 6 أندية هي الهلال والطائي والرائد وأبها والحزم والشعلة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل هذا التدوير يعود سلبا أم إيجابا على الأندية واللاعبين في الدوري السعودي؟ "الوطن" استطلعت آراء خبراء كرة القدم في المملكة ممن سبق لهم اللعب محليا ودوليا، وعدد من المحللين الرياضيين ومسؤولي الاحتراف. عودة البريق يرى الدولي السابق فؤاد أنور أن هناك لاعبين قدموا مستويات مبهرة في مسابقة دوري زين للمحترفين في العام المنقضي، وتركوا بصمة واضحة، فهم من يستحقون الانتقال إلى أندية كبيرة، وهم أهل لهذا الاستقطاب الذي يجري بقوة حاليا. أما بالنسبة للاعبين الذين لم يقدموا ما يشفع لهم بتلقي العروض، فالأندية تستفيد منهم كلاعبين مكملين فقط، ومثال ذلك اللاعب البرازيلي ويندل فهو مكمل وليس أساسيا، خصوصا أنه لعب في موسم واحد لناديين هما الاتحاد والشباب ولم يقدم معهما المستوى الكبير. ويتابع: "فيما يتعلق باللاعب السعودي فإن عملية التدوير تحدث في منطقة الدفع، حيث تسعى بعض الأندية للاستفادة من الأسماء التي قدمت خدمات مميزة على مدار الموسم الرياضي. فبعض الأندية استفادت من خدمات لاعب الرائد عبدالمجيد الرويلي الذي قدم مستوى جيدا، ولاعب الفيصلي عقيل بلغيث والأهلي سيستفيد من المهاجم السابق للتعاون بدر الخميس، فهو في رأيي مشروع نجم للمستقبل". ويضيف: "العدد الكبير من اللاعبين المنتقلين يحدث بين الأندية في منطقة الدفع، وهي فرصة تتاح لبعض اللاعبين المميزين ممن لم يجدوا فرصة في أنديتهم لوجود أكثر من لاعب في نفس الخانة، فأحدهم يستحث أن يعار لناد آخر لموسم أو موسمين ويتألق فيه ويعود لناديه متألقا، كما هو الحال مع لاعب الهلال يوسف البرقان الذي قدم أخيرا مستوى جيدا مع المنتخب السعودي، فقد استفاد منه الهلال بعد إعارته للاتفاق. وكذلك لاعب النصر يوسف خميس الذي ظهر بمستوى جيد وأعير للتعاون مؤخرا، لأنه يحتاجه، وفي ذلك فرصة للاعب للعب بدلا من الجلوس على دكة البدلاء طويلا، حيث يخفت بريقه، لأن اللعب باستمرار سيمكنه من تطوير مستواه وسيحتاجه ناديه الأصلي مرة أخرى. وهذا يحدث في أوروبا وليس هنا فقط". البحث عن الأنسب يؤكد لاعب الشباب السابق عواد العنزي أن نظام الاحتراف السعودي يسمح بتنقلات اللاعبين طالما توافرت الشروط، وأن اللاعب يبحث عن الفريق المناسب والعرض الأكبر، كما يسعى النادي لاستقطاب المحترف الذي يخدمه في الفترة التي يحتاجه فيها. وهذه حقوق مجازة للطرفين من أجل تبادل المنفعة. ويقول: "بعض اللاعبين المحترفين ليس عليهم خلاف من حيث مستواهم الفني، مثل كماتشو الذي لم يستفد منه الشباب بسبب كثرة إصاباته حين كان معه، وعودته أخيرا تعد مكسبا من وجهة نظري وفائدة لليث، خاصة إذا نجح كماتشو في المحافظة على مستواه الفني الذي ظهر به مع الأهلي في الموسم المنقضي". ويوضح أن "هناك سلبية واحدة تكمن في عدم تأقلم بعض اللاعبين مع الفريق أو المنطقة، لكن اللاعب متى ما وجد الاستقرار النفسي والفني، فإنه بالتأكيد يقدم عطاءات جيدة. أما أولئك اللاعبون الآخرون الذي يدورون بين الأندية، فإنهم "أنصاف لاعبين" يتم التعاقد معهم ليكونوا على دكة البدلاء كاحتياطيين لزملائهم الأساسيين في الفرق، إذا تعرض الأساسيين للإصابات، وهؤلاء الذين يتنقلون كثيرون ممن لا يشاركون في عدد كبير من المباريات ويؤخذون كبدلاء فقط". وينفي العنزي وجود عدم تأقلم للاعب السعودي، كونه ينتقل من ناد لآخر في مدن سعودية مختلفة، لأن البيئة في المملكة واحدة ومتشابهة في العادات والتقاليد. كسر الميول من جانبه، عد الدولي السابق، المحلل الرياضي حمزة إدريس، ظاهرة تدوير اللاعبين بين الأندية المحلية إيجابية في ظل نظام الاحتراف السعودي، وذلك كي لا يبقى اللاعب أسيرا لناد واحد، ولكسر الميول، حيث إن الأمر لا يلغي الانتماء، بل يظل اللاعب محبا لناديه الأصلي وتبقى الجماهير تحبه. ويرى إدريس أن الانتقالات تأتي في مصلحة اللاعب من الناحية الفنية والنفسية، خاصة إذا استطاع الانتقال لناد أفضل، لأن ذلك مؤشر على تطور مستواه، ولا يؤثر على نفسيته لأنه اتخذ من كرة القدم مهنة وتعود على الإقبال عليها كوظيفة تتطلب منه التواجد في أي مكان. إيجابيات وسلبيات ويشير مدير إدارة الاحتراف بالنادي الفيصلي، عبدالمحسن المعمر، إلى وجود إيجابيات وسلبيات من عملية انتقال اللاعبين بين أندية المملكة، ويقول: "من صالح اللاعب أن ينتقل إلى ناد آخر إذا لم يجد فرصته في النادي الذي يلعب فيه، فقد يستمر على دكة البدلاء لعدة سنوات، وقد ينتهي عقده وهو لا يزال يقبع فيها، ولا يجدد له. ويأتي انتقاله هنا ليحصل على فرصة متاحة لإثبات قدراته في فريق آخر يحقق معه النجاح. ومن السلبيات أنه يكون محتفظا بمركزه أساسيا لعدة سنوات ثم يجد عرضا مغريا في ناد لا يلعب فيه أساسيا، وبالتالي يخسر هذه الفرصة التي قد تؤثر على خانته في المنتخب أيضا والتي قد يخسرها دوليا. أما النادي فقد يعوض هذا اللاعب، إنما اللاعب من الصعب أن يعوض مكانته السابقة في ناديه". وحول استقطاب أندية الوسط للاعبين لا تتم الاستفادة منهم، يؤكد المعمر أن "السبب يعود إلى صعوبة المركز أحيانا، فمركز الدفاع يندر فيه المواهب المحلية، وهذا ما تعاني منه حتى الأندية الكبيرة، فقلما تجد مدافعا متمكنا حتى بمبلغ عال". وفي هذا الصدد يرد المعمر على كل من شكك في قدرات مدافع الأهلي عقيل بلغيث المنتقل للأهلي بقوله: "عقيل لاعب واعد والمستقبل الباهر ينتظره. وأنا أراهن عليه في الموسم المقبل، حيث إنه لا يزال في ال24 سنة من عمره، لكنه لم يوفق حتى الآن مع الأهلي، لأنه انتقل إليه خلال منافسات الأهلي على البطولات، ولم يتأقلم بعد مع اللاعبين كمجموعة ويحتاج إلى وقت". نوعية الصناعة ويشدد الإعلامي الرياضي، المحلل الفني الدكتور مدني رحيمي على إيجابية التدوير، لأنه مؤشر قوي على نوعية الصناعة في اللاعب الجيد، حيث إن الانتقال من ناد لآخر يدل على ثبات مستوى اللاعب الفني أو تطوره. ويقول: "انتقال لاعب مثل كريستيانو رونالدو من ريال مدريد إلى مانشستر يونايتد يعني ثقل وزن هذا اللاعب، وهذا الأمر المعمول به في أوروبا يشابه ما يحدث هنا، فاللاعب المغربي أحمد بهجه أو البرازيلي سيرجيو الذي لعب في الهلال والاتحاد والأهلي يشير إلى أفضلية اللاعبين، والأندية الغنية هي التي تشتري اللاعبين بالمال الكثير، وهذا ليس عيبا كما يرى البعض من الناس، بل إنه من طبيعة الخلق والحياة، فمن يملك المال يشتري الأفضل، كمن من حقه أن يشتري سيارة أفخم أو أغلى". وفيما يتعلق بانتقال لاعبين دون المستوى لا تستفيد منهم الأندية، قال: "هذا أمر يعود إلى سوء إدارات الأندية لدينا في المملكة التي تتدخل في شؤون الفريق واللعبة على الرغم من أن مسؤولية التعاقدات مع اللاعبين هي شأن الجهازين الإداري والفني وليس رئيس النادي. الرئيس مهمته تأمين المال اللازم للنادي ولاعبيه دون فرض أسماء معينة عليه. والمثل يقول "أعط الخبز لخبازه"، ولكن الرؤساء هنا يختارون بعض اللاعبين الذي أثبتوا فشلهم في الدوري حسب أهوائهم أو اقتناعا بمن حولهم، وخاصة وكلاء اللاعبين الذين يهمهم العمولة من هذا الانتقال". ويضيف: "كلنا رأينا واقع المنتخب السعودي عندما بنيت اختيارات لاعبيه على احتياطي الأندية، والمفروض أن تبنى على النجوم، لأن الحقيقة عندنا تختلف للأسف، فنجد لاعبين "مضروبين" وسيئين ويتم التعاقد معهم. كل هذا بسبب عدم فهم رئيس النادي. الإدارة الناجحة هي التي تمنح الصلاحيات لكل مسؤول عن فريق أو لعبة ليتحمل هو مسؤولية قراراته، وعندما يخطئ يتم استبداله بفريق عمل محترف. وهنا يكمن التخطيط الصحيح بتوفير المال والأفراد الجيدين، لأن الإدارة هي فن قبل أن تكون علما، وأيضا حسن التعامل مع الآخرين بالحصول على الموارد المالية بوجاهة اجتماعية مرموقة". وعن انتقال ويندل من الاتحاد للشباب الذي لا يرغب فيه خلال الموسم المقبل، عزا الدكتور رحيمي ذلك إلى عدم تأقلم اللاعب، فهو بشر وقد يصعب عليه تغيير البيئات في حياته، وهو كان يشكو في الاتحاد قلة عدد ساعات التمارين التي لا تتجاوز الساعتين، وهي في فرنسا عندما كان يلعب فيها لا تقل عن 8 ساعات في اليوم، كما أنه لم يوفق مع الاتحاد نظرا لعدد من المشاكل بين الطرفين.