تتساقط الوجوه أمامي واحدا واحدا، منهم من أخذه الغياب، ومنهم من هاجر ومضى للبعيد، وآخرون يعيشون خلف أسوار ما، هذا ما كنت أشعر به وأنا أسير بين أزقة حي "المنتزه"، هذا الحي الذي تجاوزه الزمن وهو يقف على حاله منذ أن عشت به قبل خمسة عشر عاما، وبقي عشوائياً كما هو دون تطوير.. كنت أتأبط جزءا من الطفولة والذاكرة، وأسأل نفسي: كيف يمكن أن أكتب؟، كنت أخطو في طرقاته الترابية، والذكريات تتقافز في مخيلتي مثل أرانب خائفة، عن يميني أكوام من النفايات، وعن شمالي قطط تفترش الأرض لتنام بهدوء، ويعود الزمن إلى الخلف، فتعود الوجوه أمامي مرة أخرى، وأشيح بوجهي عنها، أشيح به بعيدا؛ كي لا أبكي. شيء مألوف لم يكن من صديقي – الذي فضل عدم ذكر اسمه - حينما رآني بعد كل هذا الزمن من الانقطاع إلا أن احتضنني، وأخذ يسألني عن أهلي وإخوتي، ويطمئن على ذاكرته الممتلئة بنا، ولكنني عندما سألته عن أحواله، وأحوال أسرته قال "أغلب أهل الحي أصبحوا يربون الماعز، وغدا منظر الغنم بيننا شيئا مألوفا، ففي كل بيت تقريبا أغنام تربى، حتى غدونا جزءا منها، أو هي جزء منا"، أخذ يتحدث عن أحوال هذا الحي بحرقة، وكيف تغير الوضع عن السابق، عن كل ما كنت أعهده فيه من نبل، وحميمية. قال "كل شيء تغير، انظر" وأشار إلى كومة من النفايات تتوسط الشارع.. وقال "مثل هذا المنظر بات أمرا عاديا، فالحي أصبح قذرا بشكل لا يوصف، وعمال النظافة هنا لا يجمعون سوى العلب المعدنية الفارغة كي يبيعوها" ويردف "أما الإسفلت فكما تراه الآن، لم يتغير منذ أكثر من 15 عاما". العيش مع النيران حين قابلت ناصر أبو ذراع، استقبلني بحفاوة، وأخذ يعلّق على هيئتي، وكيف كبرت بشكل سريع، وكأنه نسي أنني تجاوزت أكثر من عقد ونصف من الزمن منذ أن فارقت هذا الحي، فسألته عما ينقصهم من خدمات فقال "إن أكثر ما يؤرقنا هو الخرابات المنتشرة في الأرجاء، فهي موطن للحرائق التي تنشب بشكل شبه يومي، فشباب الحي لا يجدون ما يسلّون به أنفسهم ليلا، إلا أن يقوموا بإشعال النفايات المرمية في داخل هذه الخرابات، ثم يفرّون ضاحكين" وعند سؤاله عن مخالفي نظام الإقامة يجيب "هناك الكثيرون منهم منتشرون في منازل الحي" وعن دور الشرطة والجوازات في ذلك يقول "تمر الشرطة لكن دورها بسيط جدا" وعن المآسي التي يواجهونها يقول "إذا هطلت الأمطار فتأتي المعاناة، فالتسليك الكهربائي قديم في الحي، وبعض التسليكات مكشوفة، وتكون هذه الأسلاك عرضة للتماس الكهربائي الذي ربما يودي بحياة الأطفال والشباب". الرعب الذي تبثّة السمعة أخذت أتجول في أرجاء الحي بسيارتي، وكثير من الوجوه تقفز أمام عيني، وتبتسم، حتى قابلت العم محمد ربيع الذي أكد أن الحي أصبح ذا سمعة سيئة، وقال "سمعة الحي هي سبب خوف الناس، فبعض سائقي التكاسي ليلا يرفضون إيصالك للحي، وإنما يوقفونك على طرف الحي ويأمرونك بالنزول ويمضون خوفا على أنفسهم"، وعن مطالبهم يقول العم محمد "نحن ننتظر الإنارة، والسفلتة، والنظافة، فعمال النظافة المنتشرون في الحي، إن لم تعطهم نقودا فلن ينظفوا لك أبدا، فأحيانا نقوم بإعطائهم نقودا ليقوموا بتنظيف القمامة من أمام أبواب منازلنا"، وعن الجريمة يقول "قبل أسبوع تقريبا أو تزيد احترقت 5 سيارات في غضون 3 ساعات فقط، وهذا شيء مفزع"، وعند سؤاله عن مطالبهم قال ضاحكا "نبغى نعيش بس". توسعة الشوارع هي الحل عندما قابلت العم فرحان القرني وهو أحد سكان الحي، وأحد أفراد الجيش السعودي الذي شارك في حرب سورية عام 73 قال "إن ما يحتاجه حي المنتزه في البداية أن تقوم الأمانة بتوسعة الشوارع، فالمنتزه عبارة عن 3 شوارع رئيسية فقط، وما يحتاجه هو توسعة شوارعه" ويضيف "ويجب على الأمانة أن تطور هذا الحي وتقوم بهدم المنازل العشوائية التي تعتبر وكرا لمخالفي الأنظمة" ويسرد القرني عن ذكرياته في الحي بقوله "سكنا في الحي منذ عام 96 13هجري، وبقيت فيه نحو 25 سنة، فالمنتزه سابقا كان حيا جيدا، حتى عام 1423" وعن الأمن في الحي سابقا يقول "لم يكن هناك سرقة قديما، ولا مخدرات، ولم تكن هناك سهرات إلى ساعة متأخرة في الليل، فنظام العسة كان موجودا، ولم تكن تأتي الساعة 12 صباحا إلا والناس نيام" وعن الإسفلت يقول العم فرحان "الإسفلت لم يتغير منذ أول مرة تمت فيه سفلتة الشوارع" وعن محاله التجارية في حي المنتزه يقول "يواجه العمال في محلاتي أناسا مرضى، فهناك سرقة بشكل كبير، وهناك أناس مختلون عقليا يسيرون في الشوارع، فالشرطة لم تعد تعمل كما في السابق، وهم لا يلامون، فبعض الشباب يقومون برمي الدوريات"، وعن دور الأمانة يعبر "لقد قامت الأمانة بهدم بعض الخرابات، لكنها توقفت فجأة عن الهدم، ولا ندري ما السبب". تركت وجوه الأصدقاء خلفي، ومضيت تاركا معها ذاكرتي، وطفولتي، وأنا أحمل كاميرتي ومسجلي وقد امتلأت بالحقائق، هذه الحقائق التي نكأت جرحا كنت أخال أنه قد التأم، لكنني أخطأت حقا في تقدير هذا الالتئام. الرقابة الأمنية الناطق الإعلامي لجوازات منطقة تبوك الرائد منصور الناصر أكد أن الجوازات تتعامل مع حي المنتزه مثل بقية أحياء المدينة من ناحية الرقابة، ويبرر ذلك بقوله "نحن نتعامل مع كل الأحياء في جولاتنا، وإن حصل وكان هناك تكثيف في الرقابة على حي المنتزه، فذلك بسبب الكثافة السكانية العالية من قبل الأجانب الذين يقطنونه"، ويضيف الناصر "لا تعتبر نسبة المخالفين لنظام الإقامة عالية في حي المنتزه، مقارنة بأحياء أخرى في تبوك". وناشد الناصر أهالي الحي بالإبلاغ عن أي مخالف يجدونه في الحي، وطلب من أرباب الأعمال ألا يعطوا عمالهم الضوء الأخضر في العمل في أي مكان. من جهة أخرى أكد الناطق الإعلامي لشرطة تبوك الرائد خالد غبان أن حي المنتزه المشار إليه، مغطى من قبل الدوريات الأمنية، مثل بقية الأحياء، وأضاف "تقوم قوة المهمات والواجبات الخاصة، وكذلك الدوريات السرية من قبل إدارة التحريات والبحث الجنائي بحملات أمنية على الحي، وفي حال القبض على أي مشتبه به يتم اتخاذ الإجراءات النظامية بحقه". الأمانة تعد من جهته ذكر الناطق الإعلامي لأمانة منطقة تبوك أحمد حسن الشهري بأن هذا الحي يُخدم كباقي أحياء مدينة تبوك، حيث تقدم له الخدمات من نظافة وصيانة، حسب جدول زمني معد لخدمة هذا الحي كبقية الأحياء، ويضيف "فيما يختص بالمشاريع التي قامت بها الأمانة في هذا الحي، فمعظم الخدمات الأساسية في الحي من سفلتة وإنارة، منفذة من خلال مشاريع سابقة"، مبينا أن ما يتعلق بالشوارع المتبقية غير المسفلتة، أو منارة، فإن الأمانة تقوم حاليا باستكمال تنفيذ تلك الخدمات، من ضمن المشاريع الجاري تنفيذها حاليا.