دأبت الدولة، حفظها الله، منذ تأسيسها على تفقد أحوال مواطنيها، فتكرم المتميز، وتراعي ظروف المحتاج من ذوي المداخيل الضعيفة، وكثيرا ما نسمع التوجيهات من ولاة الأمر بحث المسؤولين عن كل ما من شأنه سعادة المواطن ورفاهيته، ولكن للأسف ما زال هناك مسؤولون يديرون مصالح المواطنين بعقليات مديري الشركات الخاصة. وكأن هذا الأمر مما يسعد الدولة، بينما هو في الحقيقة عكس ما يصبون إليه. وسنقتصر في مقالنا هذا على ما يخص تكريم الدولة لبعض أبنائها بمنحهم أراضي، إما مكافأة لهم على علم حصلوه، أو تكريما لهم على دم في سبيل الدفاع عن وطنهم سفكوه، أو محتاجا على ظروف دهره أعانوه. وبما أنني لست ملما بظروف جميع الأراضي التي منحت في جميع أنحاء المملكة، وملابسات العقبات والعراقيل التي حالت دون استفادة أصحابها منها، لذا سأقصر حديثي على ما أعرف منها في مدينتي (الرياض) كشاهد عيان، وربما يكون هناك مدن أخرى تعاني من المشكلة نفسها. ولنبدأ أولا بما منحته الدولة، حفظها الله، من أراض لذوي الدخل المحدود في ضاحية العريجاء بالرياض، ولن أطيل في ذلك، ولكن سأشير إلى بعض القيود التي فرضت عليهم من عدم فتح محلات تجارية على الشوارع العامة، وأيضا إلزامهم بالبناء على الصامت، رغم اعتراض منسوبي الدفاع المدني، لصعوبة الدخول إلى المباني في حال حدوث حريق لا سمح الله. ثم بعد ما باع أغلب أصحابها أراضيهم بأبخس الأسعار نتيجة هذه القيود، تمت إزالة هذه العراقيل، فيا ترى من الذي وضعها ابتداءً؟! ومن الذي استفاد من رفعها انتهاءً؟! وهل للتجار دور في تعمد وضع هذه العراقيل. وفي عام 1400 صدر توجيه ملكي كريم بمنح أرض لكل مواطن حصل على الشهادة الجامعية تشجيعا لهم على طلب العلم، فتم منحهم في أحياء نمار، ولبن، والمهدية، ولكن للأسف لم يكونوا أفضل حالا ممن سبق أن تحدثنا عنهم، فلم تصل الكهرباء لأول هذه الأحياء إلا في حدود عام 1430، فهل من المعقول أن ينتظر صاحب المنحة 30 سنة، أو أكثر، حتى يستفيد من منحته ويبني عليها سكنه، وما زالت بعض أحياء نمار (3020) إلى الآن دون كهرباء كشاهد عيان على صحة ما ذكرناه، فيا ترى من المسؤول عن عرقلة وصول الكهرباء إليها طوال هذه المدة، وهل المستفيد من هذه المنح صاحبها، أو هوامير العقار وسماسرتهم، الذين استولوا عليها بأبخس الأسعار، وباعوها بأسعار مضاعفة؟ أما الأمر المحزن الذي لا يكاد يصدق، والذي دعاني لكتابة هذا المقال، أن من تم منحهم أراضي في ضاحية عريض ممن بذلوا أرواحهم في حادثة الحرم (1400)، لم تصل الكهرباء مخططاتهم إلى الآن، فهل هم المعنيون بالتكريم، أم ورثتهم؟! ثم أليس من المفترض أن يتم منح مثل هؤلاء تحديدا في أفضل مكان من المدينة نظير ما قدموه من تضحيات لتطهير بيت الله الحرام من العابثين بحرمته. وبعد هذا العرض، نجد أن الدولة قد بذلت وتكرمت، ولكن هناك خللا ما، حرم أصحاب هذه المنح من الاستفادة منها، وأصبحت الاستفادة الحقيقية لمن سبق أن ذكرنا. وإذا أتينا لنشخص هذا الخلل، نجد أنه لا يخرج عن أمرين: أولهما: سوء تحديد أماكن توزيع هذه المنح، إما عن جهل في معرفة اتجاه تمدد المدينة، أو عن قصد نتيجة ضغوط بعض المتنفذين من هوامير العقار، حتى لا تؤثر على أسعار أراضيهم، ووحداتهم السكنية. ثانيهما: عجز شركة الكهرباء عن الوفاء بالتزاماتها بإيصال خدماتها إلى جميع المخططات المعتمدة من الدولة. لذا أرى أن الحل الأمثل لتلافي هذا الخلل: أن يكون توزيع المنح مستقبلا في الاتجاه المتماشي مع امتداد المدينة؟ لكي يغشاها العمران، ويسهل إيصال جميع الخدمات إليها. أما الأمر الآخر: هو إيجاد شركة كهرباء أخرى منافسة، بعد أن أثبتت الشركة الحالية عجزها عن إيصال الخدمة لمخططات معتمدة من الدولة منذ 40 سنة. ومن وجهة نظري أن إيصال الكهرباء إلى هذه الأحياء أصبح الآن ضرورة ملحة، خاصة بعد صدور الأمر بإيقاف معظم الأراضي الواقعة شمال شارع الملك سلمان. وإلا ستشح الأراضي المهيأة للسكن في مدينة مضطردة النمو السكاني، في الوقت الذي تسعى فيه الدولة لحل مشكلة الإسكان المؤرقة. وفي الختام، بودي أن أوجه رسالة صادقة إلى جميع الأثرياء في هذا البلد المعطاء: نسأل الله أن يبارك لكم فيما أعطاكم، ولكن إذا لم يكن لدى بعضكم تقوى من الله تحثه على دفع زكواته لمساكين هذا البلد، فعلى الأقل لا يعرقل المشاريع التي تصب في صالحهم، وليعلموا أن ما زاد عن حاجتهم مجرد أصفار وتفاخر خاسر. إضاءة: النقد البناء الصادق، خير معين للمسؤول الناصح.