لكل منا دورة حياته الخاصة، وكل دورة لها روتينها وطقوسها الخاصة بها، لنجد أنفسنا بعد قليل من التفكير ندور داخل هذا المسار الخاص بنا وحدنا، وبه نقضي أغلب أعمارنا. إلا أنه مما يجدر الإشارة إليه أنه في مراحل وأوقات معينة نتعرض لضغوط هائلة تتجمع كلها في الوقت ذاته، الشيء الذي لم تكن حياتنا قبله بهذا الكم من الضغوط، وفي هذه المرحلة تحديدا، نجد أنفسنا نجتاز اختبارات المرحلة جميعها، وننجز جميع المهام أو أغلبها في مرحلة الضغط تلك، الشيء الذي نتخيل أننا لن نستطيع إنجازه لو أننا في دورة حياتنا المعتادة والروتينية، ولكن العكس صحيح، فما يتطلبه منا الزمن ينجز في مرحلة قياسية قصيرة جدا وأحيانا ينجز بإبداع، وبعد ذلك نجد أنفسنا قد عدنا إلى مسار حياتنا المعتاد وروتينها النمطي، ببساطة لأن أزمة المرحلة قد انتهت، ووقت الشدة قد زال، وهكذا. إذن فحياتنا إذا صنفناها نجد أنها عبارة عن أيام عادية وأوقات شدة، إلا أننا نخرج أفضل ما لدينا وقت الشدة، في حين لا نكاد نبذل شيئا وقت الرخاء إلا مقتضيات روتيننا اليومي المعتاد. ما أود الإشارة إليه أن أوقات الشدة ومرحلة الضغط تكشفان لنا كم نحن أقوياء وكم لدينا من قدرات وطاقات هائلة، لم ولن تستغل طالما أنه لا يوجد ما يستدعي ذلك من شدة أو همة. إن القدرات التي نملكها هي حتما كنز هائل لو عرفناها حق معرفتها ثم عملنا على استغلالها بشكل متواصل مستمر، وليس متى ما اضطررنا إلى استخدامها فحسب، فيما يعود علينا بالنفع والفائدة والإفادة، وبالتالي سنجد أنفسنا مصابيح وضاءة ليس لنا ولدوائرنا الصغيرة فحسب، بل للمجتمع والوطن بأسره، إن كل ما هو مطلوب منا أن نتأمل ما نملك، ونستذكر أفضل ما قدمنا خلال أزمات سابقة، ونسخرها في مستقبلنا ضمن روتينٍ جديد، ولكنه مليء بقوانا الكامنة المفعلة التي لم تكن ضمن دورات حياتنا السابقة، فروتين نافع، خير وأنفع من دورات حياة نتجت من روتين ممل باهت.