يبدأ تطبيق النسبة الجديدة لضريبة القيمة المضافة مع بداية يوليو 2020، التي ارتفعت من 5% إلى 15% وفقا لما أعلنه وزير المالية والاقتصاد والتخطيط، حيث يأتي القرار في فترة تعددت فيها التحديات التي شملت تذبذبا في أسعار النفط مع تحديات جائحة كورونا، ما شكل ضغوطاً مفاجئة وغير متوقعة على المالية العامة للدولة، وبالتالي كان القرار برفع النسبة بمثابة أحد الحلول لمواجهة هذه الضغوط والتحديات. والحقيقة أني في هذا المقال لست بصدد تقييم القرار أو البدائل المرتبطة به أو حتى الخيارات الأخرى، حيث إنَّ هذا الأمر قد تمت الكتابة عنه وتعددت وجهات النظر فيه، وتحدَّث الكثيرون عن مدى انعكاسات هذا القرار على الاقتصاد بوجه عام وعلى القطاع الخاص بوجه خاص. وقد أحببت أن أتطرق إلى بعض الجوانب الأخرى حول هذا القرار وآثاره؛ وكما ذكرت فضريبة القيمة المضافة هي إحدى أهم الحلول والأدوات المالية لتنمية مصادر الدخل لأي دولة، وهي مطبقة في أكثر من 160 دولة حول العالم، ويعتبر تطبيقها في المملكة، بمثابة مشروع وطني؛ كونها تعمل على تعزيز دور اقتصادنا المحلي، وتنمية الإيرادات الحكومية غير النفطية، وكما هو معلوم فإن النسب حول العالم تتفاوت حيث تطبق بعض الدول نسبة تصل إلى 25% كضريبة للقيمة المضافة. وبوجه عام: فإن هذا النوع من الضرائب التي تطبق في مثل هذه الدول منذ عدة سنوات قد لا يعتبره مواطنو تلك الدول أمرا جديدا يسبب عبئاً عليهم، أو عائقاً أمام استثماراتهم؛ من وجهة نظري لسببين: الأول هو أنه مع طول الفترة أصبحت الضريبة جزءا من ثقافة المجتمع؛ مما يعني قبولها كمكون من التزامات المواطن تجاه وطنه؛ والسبب الثاني: هو لإدراكهم أن هذه الضريبة تعود عليهم بالنفع من خلال مشاريع تنموية وخدمات عامة، يستفيد منها دافع الضريبة بشكل مباشر وغير مباشر. وبكل تأكيد: فإنَّ قيام حكومة المملكة برفع نسبة ضريبة القيمة المضافة، يهدف إلى زيادة الإيرادات العامة، كإجراء لحماية اقتصادنا حتى يتجاوز أزمة كورونا وتداعياتها المالية والاقتصادية والصحية بأمر الله تعالى، وبالرغم من أن الهدف العام من جانب الدولة واضح لإقرار مثل هذه الزيادة؛ إلا أنه لم يتم توضيح كيف سوف يخدم هذا القرار الاقتصاد والمواطن بشكل أكثر تفصيلا، من خلال توضيح حجم المشاريع التنموية والخدمية؟ وذلك بما يعود بالنفع على المواطن ويرتقي بالمرافق العامة التي يستفيد منها الفرد والمجتمع. وأعتقد أنَّ هذا الأمر دون توضيح قد ترك فجوة للاجتهاد في التحليل، ما أثار عدة تساؤلات حول أثر القرار في الاقتصاد، وقد تكون بعض هذه التساولات جديرة بالدراسة، لكونها أشارت إلى أمور تؤدي إلى تباطؤ اقتصادي أو ضرر على بعض القطاعات التجارية. كما أن البرامج التوعوية والتوضيحية حول أهمية وفوائد مثل هذا القرار لم يتم تفعيلها بشكل كامل، من جانب الجهات ذات العلاقة، لبيان أن هذه الضريبة تشكل عوناً للاقتصاد الوطني ومحفزّاً للاستهلاك التوعوي الذكي؛ لذا كان من المهم زيادة الوعي قبل إعلان القرار للمساعدة في تفهمه؛ فمن المهم خلق قنوات للتواصل مع المجتمع؛ لأن تقبل أي قرار يكون بمقدار وعي الجميع بأهميته. وأتمنى أن ينظر في تطبيق مثل هذا الأمر مستقبلاً بأمر الله. وبدون شك فإنَّ الظروف التي نمر بها في ظل الجائحة والإغلاق التام قد أثرت سلباً في عدة قطاعات، وأدت إلى توقف العمل في كثير منها؛ فهناك قطاعات مثل: الترفيه والسياحة والطيران، والتي قدر الأخير بأنَّ خسائره ستتجاوز ال 7 مليارات دولار بسبب الجائحة التي تسببت في تعطيل حركة السفر والتنقل. ومن القطاعات التي تأثرت أيضاً قطاع المقاولات والأنشطة المرتبطة به، فقد أشارت هيئة المقاولين في مسح أجرته، إلى التحديات التي تواجه المقاولين السعوديين بسبب الإغلاق الذي أثر سلباً في دورة التدفق النقدي للشركات العاملة في هذا القطاع بشكل عام، وانطبق ذلك على نسبة 90 في المائة ممن شملهم المسح. ودون شك فإنَّ رفع ضريبة القيمة المضافة سيزيد الضغط على كثير من منشآت القطاعات التجارية المختلفة ولا سيما الصغيرة والمتوسط منها؛ بسبب ظروف المنع والإغلاق التام التي مرت بها، ونحن الآن ما زلنا في إطار مراحل العودة التدريجية للحياة الطبيعية. بالإضافة إلى ذلك فإنّه في ظل الظروف الحالية من المتوقع أن المستهلك سوف يقلل من إنفاقه ويرشِّدُه بشكل كبير حتى يكون مقتصرا على الأمور اللازمة والضرورية. وهذا الوعي للفرد في ترشيد إنفاقه ، قد يسبب ضررا لبعض القطاعات التجارية بسبب انخفاض القوة الشرائية، إلا أن هذا الأمر من وجهة نظري هو مرحلي ومؤقت وسوف يتم تجاوزه بمشيئة الله تعالى؛ فنحن جميعاً في خندق واحد ولكل منا دور في الأزمة؛ فالدولة تقوم بواجبها تجاه المواطن والمقيم والزائر، وكذلك نحن كأفراد يجب أن نقوم بالدور المنوط بنا.