فقد العالم الإسلامي أمس واحدا من أهم المراجع في الفقه الشيعي السيد محمد حسين فضل الله الذي يعتبره المراقبون أحد أكبر رجال الدين الشيعة وأبرز الشخصيات التي ساهمت في إرساء السماحة على الإسلام. وجاءت وفاته عن 74 عاما بعد معاناة مع المرض. وعلى مدى عقود شذب الراحل الفهم الخاطئ عن المسلمين وديانتهم وارتقى إلى صفوة المرجعيات التي كانت تقرب بين أهل الكتاب، واتخذ من إنسانية الإنسان هوية ودينا، إضافة إلى كونه شخصية ناصبت إسرائيل العداء من أول تكوينها حتى آخر أنفاسه، حتى إنه كان يلقب ب"أبي المقاومة". ونقلت وكالة رويترز عن طبيب في مستشفى بهمن حيث كان يتلقى العلاج: إنه قبل أن يفقد الوعي سألته ممرضة ماذا تطلب لأحضره لك فأجاب "لا أطلب إلا زوال الكيان الصهيوني"، وتلك كانت آخر المواقف غير المعلنة قبل أن يستسلم للموت. لكن حياته كانت حافلة بمواقف مشابهة عرضته لمحاولة اغتيال كادت أن تكون محتمة عام 1985 عندما استهدفته سيارة ملغومة مما أدى إلى مقتل 80 شخصا في الضاحية الجنوبية لبيروت. وذكرت تقارير إخبارية أمريكية أن الهجوم نفذته وحدة استخبارات لبنانية تلقت تدريبها في الولاياتالمتحدة بعد سلسلة من الهجمات على أهداف أمريكية في لبنان. ويحظى فضل الله بشعبية واسعة بين المسلمين الشيعة وسرعان ما امتدت شعبيته إلى دول آسيا الوسطى والخليج وكان من المؤيدين للثورة الإسلامية في إيران. كما أنه اعتُبر المرشد الروحي لحزب الله اللبناني في السنوات الأولى بعد تأسيسه عام 1982. ونعاه أهله ومكتبه في مؤتمر صحفي عقد وسط بكاء ونحيب المئات من محبيه في إحدى قاعات جامع الإمامين الحسنين في الضاحية الجنوبية لبيروت حيث اعتاد فضل الله أن يصلي هناك. وجاء في بيان النعي "شكلت فلسطين الهم الأكبر لحركته منذ ريعان شبابه وحتى الرمق الأخير قائلا "لن أرتاح إلا عندما يسقط الكيان الصهيوني كما أنه وقف في مواجهة الفتن بين المسلمين"، رافضا أن يتآكل وجودهم بفعل العصبيات المذهبية الضيقة، معتبرا أن كل من يدير فتنة بين المسلمين ليمزق وحدتهم ويفرق كلمتهم هو خائن لله ورسوله وإن صام وصلى. ورفعت رايات الحزن والأعلام السوداء في مناطق شيعية في لبنان وصدحت أصوات القرآن الكريم من المساجد ومنابر المؤسسات والجمعيات الخيرية التي أنشأها فضل الله. كما نعاه حزب الله في بيان وأعلن الحداد ثلاثة أيام. ونعاه رئيس مجلس النواب نبيه بري. وأصدر رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري بيانا نعى فيه فضل الله قائلا "إن لبنان يخسر مرجعية وطنية وروحية كبرى أسهمت إسهاما فعالا في ترسيخ قيم الحق والعدل لمقاومة الظلم، وأضافت إلى الفكر الإسلامي صفحات مميزة ستتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل". وكان فضل الله غاب عن صلاة الجمعة لأسابيع عدة ماضية ونقل إلى المستشفى يوم الجمعة بسبب إصابته بنزيف، حيث كان يعاني من مرض في الكبد، إلا أن حالته تدهورت السبت حيث أصيب بنزيف داخلي حتى توفي بعد يومين. وعرف فضل الله في الأوساط الدينية الشيعية بالاعتدال في وجهات نظره الاجتماعية خاصة بشأن النساء. وأصدر عدة فتاوى أو آراء دينية بارزة من بينها تلك التي تحظر على الشيعة عادة ضرب الرؤوس بآلات حادة أثناء مراسم عاشوراء إحياء لذكرى مقتل الإمام الحسين. ولد فضل الله في مدينة النجف العراقية عام 1935 حيث كان والده آية الله عبد الرؤوف فضل الله قد هاجر إليها لتلقي العلوم الدينية. ودرس هناك قبل أن ينتقل إلى لبنان في عام 1966 وأسس حوزة المعهد الشرعي الإسلامي. أصبح فضل الله آية الله العظمى، وهو لقب يطلق على كل ما يحصل على درجة الاجتهاد في الفقه الشيعي، وقد جمع فتاواه في كتاب فقه الشريعة المكون من ثلاثة أجزاء، وهناك اختلاف في اجتهاده فبعض المراجع الشيعية لا يقرون له بالمرجعية. وكان فضل الله المرشد الروحي لحزب الله في بداية تأسيسه في الثمانينات، لكنه ابتعد عنه بعد سنوات نتيجة تباين في وجهات النظر حول المرجعية الدينية، إذ سعى فضل الله إلى تأسيس مرجعية مستقلة للحزب الشيعي الذي تدخل "ولاية الفقيه" في صلب عقيدته. وامتلك الجرأة العلمية على طرح نظرياته الفقهية، وأفتى بطهارة كل إنسان، وبجواز تقليد غير الأعلم، وباعتماد علم الفلك والأرصاد في إثبات الشهور القمرية، وغير ذلك. ويعتبر فضل الله من أكثر علماء الشيعة انفتاحا على التيارات الأخرى.