« باطن يدي اليمنى تحكني. هنيئا لك ستكسب مبلغا من المال. حوار يدور عشرات المرات في كثير من البيوت العربية من أقصى الخليج إلى أقصى المحيط. هي خرافة، ووفقها إن أصيب الشخص بحكة في يده اليمنى فهذا يعني أنه سيكسب مبلغاً من المال، أو أنه سيلتقي بشخص عزيز سيسلم عليه أو يحصل على هدية. أما إن كانت الحكة باليد اليسرى، فهذا يعني أنه سيدفع مالا أو يخسره. هذه ليست الخرافة الوحيدة التي تسود مجتمعاتنا، فإن «طنّت» الأذن اليمنى قيل إن خبرا سارا في طريقه إليك أو أن أحدهم يمتدحك، وإن «طنّت اليسرى» فثمة اعتقاد أن خبرا سيئا في طريقه إليك، أو أن أحدهم يذكرك بسوء. وإذا قلب حذاؤك فهذا دليل بلاء ونحس، وإن وجدت فردتي الحذاء فوق بعضهما فأنت على سفر، وإن سكبت الماء الساخن في مجاري التصريف تعرضت لانتقام الجن الذي يعيش هناك، وإن شعرت بأن أحدا ما يحسدك أو رأيت شخصا وسيما دققت على الخشب حتى تطرد الحسد أو تقي هذا الوسيم من العين. الخرافة كل ما مضى يندرج تحت تعريف الخرافة، وهي الاعتقاد أو الفكرة القائمة على مجرد تخيلات دون وجود سبب عقلي أو منطقي مبني على العلم والمعرفة. وترتبط الخرافات بالإرث الذي تتناقله الأجيال، وقد يكون دينيا، أو ثقافيا أو اجتماعيا، أو شخصيا. يقول الفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا (إذا غاب العقل ظهرت الخرافة، وإذا سادت الخرافة ضاع العقل). ولكل مجتمع خرافاته ومعتقداته التي يحاول عبرها تفسير بعض الأحداث، منها ما هو للتفاؤل، ومنها ما يتشاءم منه، وقد تتفق بعض المجتمعات في بعض تلك المعتقدات، وعبر العصور تتوارث الأجيال تلك الخرافات، وتتناقلها دون تفكير في مدى مصداقيتها، أو سبب نشأتها. وتصديق الخرافة وتناقلها يتشارك فيه الرجال والنساء، لكن دراسات علمية عدة أثبتت أن النساء أكثر تصديقاً أو إيمانا بالخرافة من الرجال. اعتقادات توضح الأخصائية الاجتماعية كوثر الشدوي أن الخرافات هي عبارة عن مجموعة من الاعتقادات، أو الأفكار التي تقوم على مجرد تخيلات دون وجود أسباب عقلية، أو منطقية تبنى على دلائل علمية. وتقول «وجدت الخرافات منذ آلاف السنين، ولذا فإنها ليست محددة بزمن معين، أو حضارة معينة، فهي تتنوع باختلاف الشعوب والحضارات، ويتوارثها الأحفاد عن الأجداد، وتنتقل عبر الأجيال، كما أن تداولها بين الناس يكثر حين تتناولها وسائل الإعلام». وتتابع «للأسف، على الرغم من انتشار العلم والمعرفة، إلا أننا نجد بعض هذه المعتقدات والممارسات ما زالت مستمرة، ويعود السبب في ذلك إلى ثقة الأبناء بالمعلومات التي يتلقونها من أبائهم وأجدادهم، وبهذا تنعكس عليهم، وعلى طرق تفكيرهم، لتصبح عادات متوارثة بغض النظر عن مدى صحتها، ومصداقيتها». وتكمل «قد يتأثر الناس كثيراً بهذه الخرافات بسبب الجهل، وقلة الوعي الثقافي، إضافة إلى التكوين النفسي، أو العاطفي، فحين يواجه البعض منهم مشاكل، أو صعوبات في الحياة يتجه للبحث عن حلول سريعة نتيجة لما يمر به من اليأس، والإحباط، وكل هذه العوامل قد تؤدي إلى انتشار الخرافات بين الناس». ونوّهت الشدوي إلى أن الحد من انتشار الخرافات يتم من خلال تكثيف الوعي الثقافي في المجتمعات عبر المؤسسات التعليمية، والإعلامية، وكذلك الدينية؛ للقضاء على الجهل، والخرافات، والاستناد على أدلة علمية مقنعة. اقتران يرى الأخصائي الاجتماعي عبدالله البقعاوي أن المعتقدات أو الخرافات تنشأ من أشخاص قد يكونوا تعرضوا لحدث معين، اقترن بحركة ما، فيحدّث به أقرانه، وقد يسمعه أبناؤه، أو أقرباؤه ممن يرونه قدوة، ويصدقونه في أي شيء، وهكذا تمتد تلك الخرافات من جيل إلى جيل، مثل البومة التي يتشاءم منها البعض لأنها تسكن الخرابات، وتظهر ليلا ويختفي نهارا». ويضيف «يكمن سبب انتشار الخرافات في المقام الأول في الجهل، إذ إن الجهل لا يدفع إلى التحقق من المعلومات؟، وحتى لو كانت هناك نية للتحقق فإن السؤال يبقى مطروحا عن كيفية التحقق؟ وما هي المصادر التي يعود إليها للتحقق؟». ويكمل «يأتي من بعد الجهل، التنشئة الأسرية، فالبعض يُنشئ أطفاله على هذه الخرافات مثل السعلوان، ورمي السن للشمس، وحك اليد، وطنين الأذن، ومع تداول الناس مثل هذا الكلام تنقلب الأمور وتبدو كأنها حقيقة ومسلمة لا يمكن المساس بها». عوامل الانتشار يعيد البقعاوي انتشار الخرافات إلى عدة أسباب، ويرى أنه كلما زاد الجهل زادت الخرافات توسعا وانتشارا، وارتفعت نسبة تصديقها، وهي تنتشر في الغالب في المجتمعات التي يعم فيها الجهل، وتكون كثيرة التعلق بالأسباب، وغير المستقرة نفسياً واجتماعياً، إضافة إلى كثير من المجتمعات الفقيرة، حيث يكون الجهل ملازماً لها، فهذه المجتمعات بيئة خصبة لانتشار الخرافات. ويكمل «أيضاً يكون انتشار الخرافات عند النساء أكثر منها عند الرجال كما أشارت كثير من الدراسات الاجتماعية، والنفسية، والسبب يعود لأن المرأة تمتاز بالعاطفة القوية، فتصدق كل ما من شأنه أن يحسن من حياتها، لوجود الغيرة لديها، والقلق، وكل هذه الانفعالات تؤثر في تفكيرها، وبالتالي تقود إلى تصديقها للخرافات». وللحد من انتشار الخرافة، يقول البقعاوي «الحد منها يأتي عن طريق: 1 - دفع الشبهات التي تخلط بين المعتقدات الدينيّة، والخرافة؛ لأنّ استشهاد المروّجين للخرافات بتفسير معيّن للنصّ الدينيّ يدعم حججهم، ويجعل الناس أقرب إلى تصديقهم، والتعامل معهم. 2 - البرامج الإعلاميّة التي تفنّد الخرافات، وتبيّن زيف ما يدّعيه الدجّالون، فنحن للأسف نجد كثيرا من الوسائل الإعلامية ذات الجمهور الكبير تفتح للدجّالين، والمنجّمين، والعرّافين، منابر خاصة، وبرامج ذائعة الصيت مما يساهم في الترويج لهم. 3 - تعزيز مهارات حل المشكلات عند الناس من خلال ورش تدريبية تنظّمها البلديّات، وجمعيّات المجتمع المدنيّ. 4 - تعزيز ثقافة الاسترشاد بالمختصين، وتأمين مراكز موثوقة للإرشاد، والتوجيه. 5 - رفع مستوى الخدمات الطبية، والاجتماعية والثقافة للناس. تفسير يعتقد الباحث الاجتماعي معاذ الشبانات أن وجود الخرافات والمعتقدات الغريبة أمر طبيعي، ويرجع هذا لطبيعة النفس البشرية التي تحاول تفسير كل الظواهر المحيطة بالفرد. ويرى أن مقياس التعلم لدى الفرد، والذي ينعكس على المجتمع المحيط به يساهم في انتشار أو محدودية انتشار الخرافة، وترسيخ بعض المعتقدات، كما أن البيئة لها دور كبير في ذلك. ويؤكد الشبانات أن «الاعتقادات الدينية لا دخل لها في درجة العلم والوعي لدى الفرد، فهي أكثر عمقاً، وترسخاً حيث تصارع العقل، والمنطق من منطلق الإيمان، والتسليم، ومن هنا أقول إن الإيمان بالخرافات يختلف عن الاعتقادات الثابتة، وخصوصاً الدينية التي تأخذ وقتاً طويلاً لترسيخها لدى الفرد بعكس الخرافات العابرة، لذلك فدرجة الوعي لدى الفرد هي أقوى سلاح لمحاربة الخرافات، والمعتقدات الباطلة، وهنا يأتي دور الإعلام، والتعليم، والجهود الفردية في محاولة محاربة هذه الخرافات» حضارات يضيف الشبانات أن «الحضارات القديمة مثل الإغريقية، أو الفرعونية، أو الهندية، أو الإسلامية القديمة استفادت في بنائها المعرفي والفكري من التناقل فيما بينها في نقل العلوم والأفكار، كما أن تداخل الحضارات من خلال الحروب والفتوحات والاستيلاء على الدول كان له دور كبير في نقل كثير من الثقافات المختلفة، والتي لا يخلو بعضها من الخرافات والاعتقادات الغريبة، وما زلت أؤكد على أن وجود الخرافات هي حالة طبيعية بدرجة معينة؛ لأن المجتمعات ليست طبقة واحدة في الوعي والثقافة والتعلم، بل هناك مجتمعات تتسع لديها الهوة الطبقية، ونشاهد هذا كثيراً في بعض البلدان في شرق آسيا، حيث بعض الطبقات الفقيرة التي يسود فيها الجهل؛ لقلة الوعي، وانتشار الأمية، وندرة المتعلمين فيها، فتنتشر الخرافات، والمعتقدات الغريبة المنافية للعقل أحياناً». وينفي الشبانات الفوارق بين الرجال والنساء فيما يخص نشر الخرافات وتصديقها، ويقول «درجة الوعي هي المعيار في ذلك، ومع ذلك أعتقد أن العاطفة هي المؤثر الأساسي للأفراد الأقل وعياً؛ لذلك نجد أن المرأة في هذه البيئات هي الأكثر ميلاً للتصديق والتعاطي مع الخرافات، بينما الرجل في هذه البيئات يميل إلى الكذب والحيلة للاستغلال وللوصول لبعض الأهداف المادية أو السلطوية السيادية، وغيرها من الأهداف التي تعطى الرضا النفسي الداخلي للرجل، أو تحقق له أهدافه». دراسات مع التأكيد على عاطفية المرأة، ولأنها تبقى عرضة لتيارات كثيرة من القلق والحرص على الاستقرار ومحاولة تفسير ما حولها بما يعود عليها بنتائج إيجابية، فإن دراسات عدة، عربية وأجنبية، حاولت استقراء ومعرفة أيهما الأكثر تصديقاً للخرافة، الرجل أم المرأة، ووجدت هذه الدراسات أن المرأة أكثر ميلاً للاعتقاد بصحة الخرافة. ووجدت دراسة أجراها عبدالرحمن عيسوي عام 1983، وهدفت إلى التعرف على الخرافات الشائعة في البيئة المصرية زيادة ميل الطالبات من الإناث إلى الاعتقاد في صحة الخرافات بالمقارنة مع الطلبة الذكور. وشملت الدراسة عينة من 2210 طلاب وطالبات، تراوحت أعمارهم ما بين 13و36 سنة. وفي عام 1984 وجدت دراسة ماكليش (mcleish) التي حملت عنوان «التفكير الخرافي لدى الأطفال الإنجليز والكنديين»، أن الأطفال الإناث كانوا أكثر ميلًا نحو التفكير الخرافي من الأطفال الذكور. وشملت عينة الدراسة 1749 طفلًا في التعليم الابتدائي والمتوسط. وفي عام 1992 في دراسة لشتنبرج (chtenberg) وحملت عنوان «المرض الجسمي وعلاقته بالأداء على مقياس أليس للأفكار اللاعقلانية»، جاءت النتائج لتؤكد أن الأفراد الأكبر سنا وكذلك الإناث تزداد لديهم الأفكار اللاعقلانية. وأجريت هذه الدراسة بهدف الكشف عن العلاقة بين الأفكار اللاعقلانية وكل من السن والجنس والمرض الجسمي، وتكونت عينة الدراسة من 122 فردًا من البالغين. في عام 2002، أجريت دراسة بعنوان «دراسة في المضامين الخرافية للتفكير لدى عينة من المجتمع الكويتي»، هدفت إلى تحليل ظاهرة التفكير الخرافي وأبعاده في المجتمع الكويتي المعاصر، وأشارت النتائج إلى أن الإناث أكثر إيمانا بالمعتقدات الخرافية من الذكور. وفي دراسة إبراهيم ومنصور عام 1968 بعنوان «التفكير الخرافي - بحث تجريبي»، أثبتت النتائج أن الخرافة تزداد عند الريفيين والطبقات الاجتماعية الأقل «والإناث». خرافات في المجتمع العربي 1- حكة في يدك اليمنى: تكسب مالا الحكة في اليسرى: تخسر أو تنفق مبلغا من المال. 2- إذا رفّت عينك اليمنى: ترى خيراً أو شخصا تحبه الرفة في العين اليسرى: ترى شراً أو شخصا تكرهه. 3- طنين الأذن اليمنى: ستسمع خبراً ساراً أو أن أحدهم يمدحك الطنين في اليسرى: تسمع خبراً سيئاً أو ذمك أحدهم وذكرك بالشر. 4- حكة في باطن قدمك: ستزور مكانا جديدا. 5- دخلت فراشة إلى البيت: ضيف قادم أو زائر. 6- وقعت عليك فضلات الطير: يأتيك خير كمنصب أو زواج أو مال. 7- قطعت الشعرة التي بها شيب: سيتكاثر الشيب في رأسك. 8- أكلت من القدر مباشرة: ستمطر يوم زفافك. 9- سقطت أسنان الطفل يرميها للشمس، لتستبدل بأسنان أجمل وأفضل. 10- الحذاء المقلوب: يجلب الحظ السيئ 11- الصفير: يجلب الشياطين. 12 التشاؤم من رؤية البومة أو سماع صوتها. خرافات تنتشر في العالم تركيا: سكب الماء بعد رحيل أحدهم يحميه ويجعله يعود بسرعة. الفلبين: ارتداء اللون الأحمر أثناء المطر يجلب البرق والصواعق. المجر: الجلوس في أطراف المجلس يبعد عنك فرصة الزواج. إنجلترا: سماع صراخ البومة في الليل يدل على اقتراب الموت منك. أيسلندا: حياكة الصوف عند باب المنزل لبقاء المنزل دافئا في الشتاء. السويد: المشي على أرض مكسورة يكسر ظهر والدتك. رومانيا: رش الملح على كتف المهموم يزيل عنه الهموم. المكسيك: وضع مرآة أمام أخرى يفتح بابا للشيطان. أسباب انتشار الخرافة الجهل قلة الوعي نقل الأحاديث الرغبة في الحصول على إجابات سهلة وحلول سريعة للمشكلات الإدراك الانتقائي للأشياء المبالغة في بعض الحقائق منطق المتتاليين التعميم المتحيز الخلط بين المصطلحات الطرح المضلل من قبل بعض وسائل الإعلام