«الإحصاء»: ارتفاع الصادرات «غير البترولية» 18.1%    ترمب: ولي العهد «رائع».. ويتمتع برؤية ثاقبة    الشرع أمام مؤتمر الحوار الوطني: سورية لا تقبل القسمة    دراسة: المريخ كان يضم شواطئ ومحيطات !    القيادة تهنئ أمير دولة الكويت بذكرى اليوم الوطني لبلاده    أمانة الشرقية تطلق الهوية البصرية الجديدة ل (سوق الدمام)    إصابة أسترالية بالشلل بسب فرشاة مكياج!    الدكتور عبدالله الربيعة يلتقي المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي    طقس شديد البرودة وصقيع متوقع في عدة مناطق بالمملكة    استقرار أسعار الذهب    مستشفى الولادة والأطفال بالدمام يجسد تاريخ الوطن في ذكرى يوم التأسيس    وزير الدفاع الأمريكي يستقبل وزير الدفاع ويعقدان اجتماعًا ثنائيًا موسعًا    «الصحة»: تحصّنوا ضد «الشوكية» قبل أداء العمرة    تعاون بين السعودية وهونغ كونغ لمكافحة جرائم الفساد العابرة للحدود    الكويت في يومها الوطني.. نهضة شاملة تؤطرها «رؤية 2035»    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تباين    الاتحاد السعودي للسهام يتوّج الفائزين في منافسات «السهم الأسود»    إستراتيجيات فعالة للتعامل مع الزوج العصبي !    وزير الداخلية وممثل الأمين العام للأمم المتحدة يبحثان الموضوعات المشتركة    العروبة يتغلب على ضمك.. والفتح يواصل صحوته    صدام ناري بين أتلتيكو وبرشلونة    الجغرافيا تتلاحم بالتاريخ    السودان: الجيش يسيطر على جسر سوبا    1373 حالة ضبط لممنوعات بالمنافذ خلال أسبوع    جريمة تهز باريس.. أمريكية تلقي بمولودها من نافذة فندق    بغداد تستعيد 618 عراقياً من أخطر مخيم بالعالم    نوه بالدعم غير المحدود من القيادة لخدمة كتاب الله .. وزير الشؤون الإسلامية: 7 ملايين ريال للفائزين بجائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    يوم التأسيس "مكان التاريخ"    «وِرث» يجسّد الفنون التقليدية في سباقات الخيل    بريد الهوى    تعزيزاً للأمن الغذائي وسلاسل الإمداد.. 80% حصة «سالك» في «أولام الزراعية»    اختلاف طباع الناس    مليار ريال لمستفيدي «سكني»    في الجولة 23 من "يلو" .. أبها يسعى لنقاط الباطن.. والعين في اختبار العربي    غزارة الدورة الشهرية (1)    الصحة: فيروس ووهان ليس جديداً ولا يشكل خطراً حالياً    خطة جوزيف بيلزمان لغزة تستثير الموقف العربي من جديد    الارتقاء بصناعة الخير    حجاب وعد.. قرار نهائي أم مرحلة جديدة من الجدل؟    بلدية وادي الدواسر تحتفي ب «يوم التأسيس»    محافظ الزلفي: يوم التأسيس تاريخ عريق    أمير القصيم يستقبل سفير تايلند    "الأحوال المتنقلة".. اختصار الوقت وتقليل الجهد    الأسمنت الأخضر أحدث تحولات الطاقة النظيفة بالمملكة    مرات تحتفل بيوم التأسيس    جامعة الملك سعود توقع مذكرة تعاون مع مركز زراعة الأعضاء    الرواية وجائزة القلم الذهبي    رئيس هيئة حقوق الإنسان: السعودية حريصة على نصرة القضايا العادلة    فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تحتفل بيوم التأسيس    ما هذا يا جيسوس ؟    "مفوّض الإفتاء بمنطقة حائل" يلقي محاضرة بعنوان "نعمة تأسيس الدولة السعودية"    الأمير سعود بن نهار يلتقي مدير إدارة جوازات المحافظة    الزواج ليس ضرورة.. لبنى عبدالعزيز: الأمومة مرعبة والإنجاب لا يناسب طموحاتي المهنية    أمير الرياض يعزي جبران بن خاطر في وفاة والدته    أمانة تبوك توفر 260 بسطة رمضانية في 13 موقعاً    "الشؤون الإسلامية" تنهي فرش 12 جامعا بمنطقة القصيم    الرياض: ضبط 4 وافدين لممارستهم أفعالاً تنافي الآداب العامة في أحد مراكز «المساج»    وقفات مع تأسيس السعودية وتطورها ومكانتها المتميزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كائناتنا الليلية
نشر في الوطن يوم 09 - 04 - 2020

قال عمر الخيّام في رباعياته التي ترجمها أحمد رامي وغنتها أم كلثوم:
أفق خفيف الظل هذا السحر ... نادى دع النوم وناغ الوتر
فما أطال النوم عمرا ولا ... قصر في الأعمار طول السهر
وقال الشاعر محمد الثبيتي في قصيدته (قلادة)
«ساهرة دماء البدو ... حتى تقرع الأجراس»
وغنى عبدالحليم حافظ باللهجة الكويتية:
«يا فرحة السمار .. ساهرين مع الأقمار.. والبدر يناجيهم»
وصدحت فيروز: «أنا عندي حنين ما بعرف لمين .. ليليي بيخطفني من بين السهرانين».
وقال غيرهم وغيرهم كثير عن السهر والساهرين، وكثيراً ما ربطوا بين السهر والعشق، لكنهم كذلك لم ينسوا أن يمنحوا سهر أهل الحجاز خصوصية خاصة وهو الذي ارتبط بالحج وخدمة الحجيج.
عوامل نفسية
تربط استشارية الطب النفسي الدكتورة منى الصواف السهر بالعادات، وتحاول تصنيف الشعوب بين نهارية مثل شعوب الغرب، وليلية مثل شعوبنا العربية.
وتقول «يظهر حب السهر جليا في عاداتنا، سواء في الأفراح أو في شهر رمضان المبارك، أو في مناسبات أخرى معروفة في عاداتنا».
وتواصل «قد يعود سبب تفضيل الليل والسهر عند العرب إلى الطقس الحار في فترة النهار، ولذا غالباً ما يحاول العرب تجنب الأجواء الحارة، بالهروب إلى اعتدال الطقس ليلاً».
السهر في اللغة
أوضحت أستاذة اللغة العربية في جامعة المؤسس لينة متولي، أنه لطالما ارتبط السهر بالمشاعر الإنسانية المختلفة من حب وحنين ولوعة وشوق، ولطالما كان الليل ستر العاشقين ومأوى السامرين وملاذ المهمومين، حيث تظل له طقوسه الخاصة المرتبطة بالسهر والسمر.
وتابعت «السّهر لغة هو الأرق، وسهِر بالكسر، يَسْهَرُ سَهَراً، فهو ساهِرٌ: لم ينم ليلاً، وهو سَهْرَانُ وأَسْهَرَهُ غَيْرُه، ورجل سُهَرَةٌ أَي كثيرُ السَّهَرِ. والسَّهَرُ امتناع النوم بالليل، ورجل سُهَارُ العين: لا يغلبه النوم.
واستشهدت متولي من جميل أشعار العرب في السهر قول بشار بن برد يصف ليله مع السهر:
طال هذا الليلُ بل طال السهر ... ولقد أعْرِفُ ليلي بالقِصَر
لم يَطُل حتى جفاني شادِنٌ ... ناعم الأطراف فتان النظر
لي في قلبي منه لَوْعَةٌ ... مَلَكَتْ قلبي وسَمْعِي والبَصَر
كأنّ الهَمّ شَخْصٌ مَاثِلٌ ... كلَّما أبْصَرهُ النَّوْمُ نَفَر
وأما «السَّمَرُ» فقالت متولي إنه الحديثُ بالليل والجمع أسمار، والسّمر هو الحكايات التي يُسْمَرُ بها، ويطلق السَّمَرُ على مجلس المتسامرين.
وأوضحت متولي «على الرغم من أن كلمتي السهر والسمر قد تكونان متلازمتين بعض الشيء في الذكر، إلا أن هناك اختلافاً بينهما، فالسهر يكون بسبب مجافاة النوم للمرء، وهنا يطلق عليه الأرق، أو لرغبته في البقاء مستيقظا ليلاً».
وتتابع «قد يكون المرء ساهرا وحده لا يؤنسه في سهره إلا مشاعره وأفكاره.. أما السمر فهو الجلوس والحديث مع الناس ليلاً، ويقال سمَر الشَّخصُ، أي: تحدّث مع جليسه ليلا لذلك يقال لمن يسهر وحيداً سهرتُ ليلي ولا يقال سمرتُ ليلي».
فتنة الليل
فتن السهر العرب، وصار ميدانا لغزلهم وحبهم ولقاءاتهم، ولم تعرف الأمم الأخرى السهر كما عرفه العرب أو أمعنوا فيه وأوغلوا، وكأنه بات علامة مميزة لهم.
وحتى مع قدوم الكهرباء وانتشارها ودخولها كل بيت، ما زال يحلو للعربي أن يسهر متأملا النجوم، فرحا بالهدوء الذي يأتي به الليل.
ليل الحجاز
اكتسب الليل والسهر في الحجاز خصوصية تميزه عن السهر في بقية الأماكن، فقد اشتهر المجتمع الحجازي بالسهرات والسمرات سواء في مجتمع الرجال أو مجتمع النساء. وأوضح الباحث والمؤرخ مازن السقاف أن «السبب في نمط حياة أهل الحجاز المختلف يعود لارتباط أهل مكة بمهنة الطوافة، وما يلزم هذه المهنة من اهتمام بالحجيج والمعتمرين واستضافتهم وترتيب زيارتهم للحرم والمشاعر المقدسة على مدار اليوم، كما يحدث في حملات الحج والعمرة في زمننا الحالي، ونجد أيضا في مدينة جدة ارتباطهم بالحجيج، وذلك كونهم وكلاء الطوافة، بمعنى أنهم هم من يستقبلون الحجيج والمعتمرين من الميناء ويوصلونهم إلى مكة المكرمة عند المطوفين».
وحول أماكن وكيفية قضاء السهرات بالنسبة للمجتمع الحجازي، أشار السقاف إلى «أنهم يسهرون في عدة أماكن، منها المقاهي التي يتواجد بها «الحكواتي» وهو أمر موجود في جدة ومكة المكرمة، لكنه منتشر في جدة بشكل أكبر، والحكواتي رجل كبير في السن يقص عددا من القصص، ويقف عند مقطع معين ليكمله في الليلة التالية، وهكذا». وتابع «أحد أماكن قضاء السهرات والتجمعات تسمى ب»المقاعد» وهي الغرفة الأولى التي تكون عند مدخل المنزل، ويجتمع فيها الأصدقاء للسهر». ويكمل «هناك أيضا «المركاز»، وهو إما أن يكون خاصا في الخارج أمام المنزل، أو عاما يجمع أهل الحارة جميعهم».
عادات مختلفة
أشار الباحث في تاريخ مكة المكرمة، منصور الدعجاني إلى أن عادات وتقاليد أهل مكة المكرمة امتزجت بعادات وتقاليد الشعوب الإسلامية المختلفة، وذلك لأن مكة يقصدها الآلاف من الحجيج من مناطق وشعوب مختلفة، وهؤلاء يحملون عاداتهم وتقاليدهم المختلفة معهم، ومنهم من «يبقى للمجاورة في مكة والمدينة» ومنهم من استوطنها فهذا أدى إلى تنوع سكاني فيها، وامتزاج لما حملوه معهم مع ما وجد لدى أهل مكة من عادات وتقاليد، فأفرز ذلك نوعاً خاصاً من العادات اختص به أهل مكة التي تشهد تنوعا كبيرا ناحية الملابس واللهجات».
صورة قاتمة
لا يحمل السهر دوما تلك الصورة الوردية التي طالما تحدث عنها الشعر والسمّار، ولم يكن على الدوام مرتبطاً بعادة اجتماعية وطقس ديني فرضه موقع الحجاز على أهلها مثلاً، بل شكل أحياناً صوراً قاتمة، خصوصاً في الوقت الحالي، حيث انتشرت التقنية والتكييف، ولم يعد الليل هو ملاذ الناس في الأجواء الحارة.
ويرى كثيرون أن السهر قد يشكل طقسا سلبياً حين يتعمده المرء للهروب من مواجهة مشكلاته الحقيقية (الدراسة، الزواج، الفقر، وغيرها)، أو يمارسه كحالة عدوانية كما يفعل بعض المراهقين للتمرد على قوانين البيت، كما قد تكون التنشئة غير السوية سبباً له، حيث يربى المرء دون إحساس بأهمية إعلاء قيمة الوقت.
تمييز
يميز استشاري الجهاز التنفسي واضطرابات النوم الدكتور فارس الحجيلي، بين السهر والأرق، ويقول «السهر اختياري، أما مسألة عدم القدرة على النوم لأسباب منها الضغط والتفكير أو الانتظار فهذه هنا تدخلنا في حالة مغايرة هي الأرق». وأشار إلى أن العادات الاجتماعية لدينا مرتبطة بالليل أكثر، ونمط الحياة ليلي كما هو سائد في المجتمعات الشرق أوسطية بشكل عام. لكن الحجيلي يؤكد أن الأرق يؤثر سلبا على الحياة الشخصية والعملية، وهو يسبب توترا، وفي بعض الأحيان يصل الأمر إلى الاكتئاب. ويتابع «الأرق نوعان، الأول هو عدم القدرة على الدخول في النوم، والثاني عدم القدرة على الاستمرار في النوم».
بيولوجيا
تعود الدكتور صواف للحديث عن السهر في غير صورته النمطية الجميلة، وتقول إن ثمة سهر ينجم عن وجود عوامل بيولوجية نتيجة الاضطرابات النفسية، وأشهرها مرض الاكتئاب الكلاسيكي، كما قد يكون السهر مرتبطا بأمراض عضوية مثل مرض الربو الذي تزيد حدته ليلا. وتوضح «هناك نوع من الاضطرابات النفسية بسبب الأرق وهو «الهوس» المرتبط عادة بمرض ثنائي القطب، كما قد يتسبب السفر من مكان إلى آخر في الأرق عند تغيير الساعة البيولوجية».
السهر
العرب من الشعوب الليلية التي تحب السهر
ارتبط السهر بالمشاعر الإنسانية المختلفة من حب وحنين ولوعة وشوق
ارتفاع درجات الحرارة نهارا ألجأ العرب لليل
امتاز العرب بكونهم شعبا عاطفيا يعبر عن مشاعره
السهر في الحجاز
اكتسب خصوصية مختلفة عن بقية الأماكن
ارتباط أهل مكة بمهنة الطوافة جعلهم يميلون للسهر
الطوافة تستلزم الاهتمام بالزوار والحجاج والمعتمرين على مدار الساعة
السهر في المنطقة اكتسب كذلك عادات تنوع مجتمعها
سلبيات
السهر قد يشكل طقسا سلبياً
يتعمده البعض للهروب من مواجهة مشكلاته الحقيقية
يمارسه البعض كحالة عدوانية مثل تمرد المراهق على قوانين البيت
يعبر أحيانا عن تربية لا تنمي الإحساس بأهمية إعلاء قيمة الوقت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.