نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته، فقال: أيها الناس، السكينة السكينة.. قال ذلك في الحج حتى لا يَحْطِم بعضهم بعضا، ولا يؤذي بعضهم بعضا. ذلك أن السكينة هي الطمأنينة والهدوء الذي ينتج عنه ثبات القلب عند المخاوف، وحسن العاقبة في الأمور كلها. وقد وردت في كتاب الله ست آيات تبين العاقبة المحمودة للسكينة. وفي المقابل، فإن الجَلَبَة والطيش والعجلة و(الطفاقة) دليل على السفه، وقلة العقل، وربما سوء القصد. والناظر في كتاب الله وسنة رسوله، عليه الصلاة والسلام، يرى أن أهل الإيمان يلتزمون السكينة، وعدم منازعة الأمر أهله، ولا يلتفتون للمرجفين والمخذلين الذين يظهرون عادةً وقت الأزمات، فإذا قال لهم المرجفون من أهل النفاق: إن الناس قد جمعوا لكم، ولا مقام لكم، وقد أحيط بكم، ويعدكم ولي أمركم بكذا وكذا من الفتوحات وأحدكم لا يستطيع يبرز بعيدا لقضاء حاجته.. وغير ذلك من التشويشات، لم يزدهم ذلك إلا إيمانا وتصديقا بالله ورسوله، كما قال تعالى {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل}، وقال تعالى {وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا}، هذه طبيعة أهل النفاق والإرجاف قديما وحديثا، ينشطون في الفتنة وقت الأزمات والحروب وانشغال المسلمين، فهم كالعقارب يدفنون رؤوسهم وأبدانهم في التراب ويخرجون أذنابهم، فإذا تمكّنوا لدغوا، ولكنهم -بحمد الله- مكشوفون ومخذولون. وهكذا أتباعهم في الإرجاف في كل زمان، يظهرون حال وجود أي أزمة، فيرمون الفتيل هنا وهناك في كل مكان تصله مقالاتهم الخبيثة، ونصائحهم الإبليسية، وفتاواهم التحريضية، مع أنهم ليسوا من أهل الفتوى، وقد كُفُوا المؤونة، ومن تلبيسهم أنهم يزعمون أن الداعي لكلامهم هو حماية الدين، والواقع أنهم كاذبون. فالدين هو الذي يأمر بالسكينة، وعدم منازعة الأمر أهله، فما بالهم يخالفونه؟. والدين هو الذي أمر بالأخذ بالأسباب، وعدم إيراد مُمرض على مُصح، فما بالهم يخالفونه؟. والدين هو الذي يأمر بالصلاة في الرحال عند المطر ونحوه، ويمنع آكل الثوم والبصل من الصلاة في المساجد، فضلا عمن يُخشى منه حمل الأمراض المعدية؟ فما بالهم يخالفونه؟ وبهذا يتبين أن دعواهم الغيرة على الدين كذب وفجور، ولكن هكذا يفعل التدين الحركي الحزبي، أليسوا هم دعاة الثورات والخروج على الحكام؟ أليسوا هم المرجفون المخالفون لمقتضيات البيعة من السمع والطاعة بالمعروف وعدم منازعة الأمر أهله، ولزوم السكينة، إذن كيف يدعون حماية الدين وهم يخالفون الكتاب والسنة؟. فالواجب على الجميع ألا يلتفتوا إلى أولئك المرجفين، ولا إلى ما يصدر عنهم من أقوال لا قيمة لها في ميزان البحث العلمي، وليلزموا السكينة، والثقة بما يتخذه ولاة الأمر من إجراءات يعود نفعها على الصالح العام، والتعاون في هذا السبيل، وقبل ذلك وبعده اللجوء إلى الله، والاستكانة والتضرع إليه، فهو القائل {وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِه وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم}.