انتهى عصر الأرشيف الورقي وحفظ المعلومات فيه على مستوى الفرد والمؤسسة والدولة، ومع تقدم نُظم المعلومات الإلكترونية وتخزينها وسهولة استدعائها والاستفادة منها وحفظ الحقوق والتوثيق والاعتماد عليها في ربط البيانات في جميع المجالات، إلا أنه يبقى التحدي أمام مسؤولية كل أرشيف ورقي في الماضي أو في حوسبة المعلومات الحالية في أهمية الحفاظ عليها، وعدم اختراقها أو تلفها أو ضياعها والاعتماد عليها في التطوير والتحسين والمرجعية في إثبات الحقوق، وقد كانت المخاوف في السابق كبيرة للحفاظ على الأرشيف والسجلات الورقية والوثائق والمعلومات، وهي بنفس القدر اليوم تواجه تحديات أكبر في حفظ البيانات ومواجهة قرصنة المعلومات واختراقها وتلفها. والعالم اليوم وبجميع دُوله ومجتمعاته يُواجهون تحديات من نوع جديد في منظومة الدفاع عن سيادة أمن المعلومات في البنية التحتية والمصالح الاقتصادية والوطنية في فضاء شبكة المعلومات، ويكاد يكون هذا النوع من الأمن هو الأمن الأول في منظومة الدفاع، والذي تعتمد عليه جميع نُظم الأمن التقليدية لأنه مصدر البيانات في الفضاء المعلوماتي عبر الشبكات والنظم، وأن الحروب الحالية والقادمة هي حرب تدمير نُظم المعلومات وشبكات الاتصالات والتواصل بين الأجهزة وقيادتها، وشل قدرتها على تنفيذ المطلوب منها، كما أن القرصنة والهجمات على المواقع والأفراد ازدادت اتساعا وتطورا في السنوات الأخيرة، وأصبحت تُهدد اقتصادات الأفراد والدول، وأن نُظم الحماية والمواجهة أصبحت تتطلب ميزانيات كبيرة وكوادر بشرية لديها الخبرة والكفاءة وقادرة على صد جميع أنواع الهجوم اليومي في فضاء المعلومات والحفاظ عليها. ويأتي دور الأمن السيبراني الذي تُعقد له المؤتمرات السنوية والتجهيزات البرمجية والكوادر البشرية المؤهلة والبحوث والدراسات والمناهج العلمية وتخصيص الهيئة الوطنية له، هو العلاج لمواجهة هذه التحديات، ويكون الخيار الأول أمام القيادات الأمنية الوطنية السعودية في حماية أمن معلومات الوطن والتصدي للاعتداءات على أرشيفه في البنية التحتية وبياناته والمصالح الإلكترونية من قبل جهات ومنظمات معادية تهدف إلى زعزعة الاستقرار والأمن المعلوماتي، والاستفادة منه في قرصنة الأموال والمعلومات في كافة المجالات، وتركز هذه المنظومة الأمنية على تطوير إستراتيجية وطنية للأمن السيبراني، وحماية البنية التحتية للمعلومات الحساسة، وإنشاء تعاون وطني بين الحكومة ومجتمع صناعة الاتصالات والمعلومات، وردع الجريمة السيبرانية، وخلق قدرات وطنية لإدارة حوادث الحاسب الآلي، وتحفيز ثقافة وطنية للأمن السيبراني. ولا تقتصر التهديدات السيبرانية على الدولة وأمن معلوماتها، بل تتعدى إلى أمن المواطنين في سرقة معلومات التعريف الشخصية، والحسابات المصرفية، ومعلومات بطاقات الائتمان، والتخريب الشخصي والمؤسساتي، إذ يقوم المجرم الإلكتروني بالوصول إلى المعلومات الحساسة، ثم نشرها بغرض كشف البيانات، والتأثير على الجمهور لإفقاد الثقة في تلك المؤسسة أو الشخصية ومنع المستخدمين من الوصول إلى بياناتهم الخاصة إلى أن يدفعوا رسوما مالية أو فدية معينة. وهذه الاختراقات أصبحت واقعا ملموسا في حياة الأفراد، وبدأت تُشكل قلقا عليهم في اختراق حساباتهم الشخصية في برامج التواصل الاجتماعي أو السحب المالي من الحسابات البنكية وبطاقات الائتمان، ومن خلال خطوات بسيطة وضرورية يمكن للأفراد المساهمة والتعاون في حماية منظومة الأمن السيبراني ومنع أي اختراق لبياناتهم الشخصية، وتقليل العبء على الجهات الأمنية في معالجة الخسائر المتكررة، من خلال استخدام المواقع الموثوق بها عند تقديم المعلومات الشخصية، وعدم فتح الروابط التي تصاحب الرسائل التي ترد من جهات غير معروفة، والتحديثات المستمرة للأجهزة وبرامجها لإصلاح مشكلات الأمان، والنسخ الاحتياطي للمعلومات وحفظها، فمنظومة الأمن السيبراني الوطني وعملياتها في تطور مستمر في مواجهة وسائل الاختراق واستكشافها ومهاجمتها على مستوى البنية التحتية الوطنية للمعلومات، وتقابلها التوعية بمسؤولية الأفراد في الاطلاع على كل ما هو جديد في منظومة أمن المعلومات الشخصية، والاتصاف بالحذر في التعاملات على شبكة الإنترنت، فهما خير وسيلة في حماية البيانات والخصوصية الفردية والوطنية.