أثبتت المهرجانات المتعددة في مختلف المجالات - وما يتعلق بالمنتجات الزراعية منها خصوصا - نجاحها المبهر في التعريف بالثروات الاقتصادية، وعرضها أمام فرص الاستثمار، وتشجيع المزارعين، وتسويق منتجاتهم، ورفع درجة الاهتمام لديهم استعداداً لدورة المهرجان السنوية. ويعد مهرجان البن في محافظة الدائر بجبال جازان نافذة مميزة على ثروة اقتصادية عالية الأهمية، واسعة التداول، عالمية الاستهلاك. وكثيراً ما تنشر الإحصاءات حول إنتاج واستهلاك القهوة في العالم، إلا أن المجتمعات العربية - خصوصا في الجزيرة العربية - تمثل القهوة لديهم إرثا اجتماعيا، ورمزية ذات دلالات عميقة ترتبط بالمكارم والعادات والتقاليد، وتشكل واردات المملكة العربية السعودية من القهوة رقما كبيرا يتجاوز المليار ريال سنويا، وبحسب مصلحة الجمارك السعودية، فإن حجم الاستيراد لعام 2017 بلغ قرابة 60.000 طن، وفي هذا السياق فإن حجم الإنتاج المحلي من جبال جازان يشكل ما يقارب 1.5% من احتياج السوق المحلية في الوقت الحاضر، وبحلول 2030 تكون مبادرة وزارة البيئة والمياه والزراعة باستزراع مليون شجرة، وإحلالها في المدرجات الزراعية الواقعة في الجنوب الغربي من المملكة، قد ضاعفت حجم المنتج بمقدار عشر مرات، ما يعني أن ما يقارب 16% من الاحتياج سيكون ناتجا محليا، ويعد هذا تقدما مميزا له وزنه الاقتصادي، ويوفر من هدر الإنفاق على واردات القهوة بمقدار 180 مليون ريال سنويا. وبالنظر إلى تزايد الإقبال على الاستثمار في مجال القهوة، فقد بلغ عدد التراخيص 22000 ترخيص لإنشاء المقاهي المتخصصة، بحسب وزارة التجارة والاستثمار بنهاية عام 2018، ونلاحظ ازدياد أعدادها سواء داخل المدن أو على الطرق، وفي التقرير الصادر عن المنظمة العالمية للبن، فإن السعودية تحتل رقما متقدما في استهلاك القهوة، فهي تحتل المركز التاسع عالميا، والثاني عربيا، وتعد مبيعات القهوة اقتصادا مزدهرا، وثروة ذات مردود مرتفع، حيث يبلغ متوسط سعر الكوب الواحد ما يعادل 12 ريالا تقريبا، وتصنف بعض الجهات سعره بما يعادل 8.3 دولارات، أي 25 ريالا بحسب النوع، وطريقة التحضير، إضافة إلى ما يتم استثماره من مستخلصات أخرى من ثمار القهوة مثل قشر البن المستخدم كمشروب خفيف، ودخولها في كثير من الصناعات والمركبات الغذائية. وتشكل صناعة القهوة في السعودية مستقبلا واعدا، بما يتحقق فيه من نماء وتوسع وتطور في الفكر الصناعي والتسويقي، ولكي تتحقق معادلة النماء بكفاءة، فإن دعم انتشار زراعته محليا خطوة ذات أهمية، تواكب رغبة المستهلك والمستثمر، وتحقق حاجتنا لتوطين المنتجات الاقتصادية الثمينة. مما يزيدنا ثقة دخول شركة أرامكو من بوابة الشراكة المجتمعية على خط استزراع البن، وإن كانت خطوات خجولة لا تتناسب وحجم أرامكو، ومكانتها المرموقة التي تميل بموازين القوى الاقتصادية، وهي لم تذهب بعيدا، فمن حقولنا الناضبة إلى مدرجاتنا النابضة، ومن أكثر منتج استهلاكي وهو البترول، إلى الذي يليه في الرتبة عالميا وهو القهوة، ولضمان النجاح فلا بد من وضع إستراتيجية واضحة المعالم للشراكة، تبدأ من عزم أرامكو، وثقلها الاقتصادي ومسؤوليتها الوطنية، وتنتهي في خطط وزارة البيئة والمياه والزراعة، وتسهيلاتها لإنجاح هذا المشروع الإستراتيجي، بعيدا عن الأنا والذاتية التي يتجاذبها الطرفان، والصراعات التي تعج بها أنفاس هذه الشراكة التي تحبس أنفاسها فوق رأس المزارع البسيط، الذي يخجل من الاعتراف بها، ويتردد - احتراما لسمعة شركة أرامكو - عن ذكر إسهامات لا تتجاوز وعاء بلاستيكيا، يخزن بضعة أطنان من الماء، ومجموعة من وسائل ري التقطير، رغم أنها جهود لا يستهان بها، ولها وزنها في نفس المزارع، لكنها في ميزان قدرات شركة عملاقة لا تعبر عن شيء. وبالالتفات إلى الأهمية التي تثمل في الوزن الاقتصادي لمحصول القهوة، فإننا نجد أنفسنا أمام تحدٍ كبير، يستحق التخطيط والدعم والاهتمام والرعاية من الجهات كافة، والبدء عمليا في إسقاط الرؤى والخطط على مدرجاتنا الزراعية في مشاريع يسبق بعضها الآخر، فلم يعد في الزمن متسع بعد توجيه القيادة الرشيدة -حفظها الله- بدعم هذا القطاع ضمن سلة الزراعة الريفية. فهل تعود أبخرة القهوة العربية لتعطر مجالسنا من صنع أيدينا؟ كما كانت قبل رحيلها إلى بلاد المهجر، فالتاريخ يشير هنا إلى حكاية قديمة لزراعة البن لم تُذكر تفاصيلها بعد، كما يردد البعض.