أحد أهم خطوات النجاح في تنفيذ خطط مشروع ما، هي المراجعة للنتائج عند كل محطة مهمة من تنفيذ المشروع، هكذا يقول مدربو التنمية البشرية ومن يهتم بعوامل النجاح وأسباب التفوق ومن يعطي خططا للوصول إلى هدف ما، لكن والعجيب في أمر ثقافتنا وخاصة منها التفكير النوعي الذي يرتكز عليه أي إنتاج فكري ملائم لعصره، آثرنا الالتزام بموروث فكري يمتد لقرون مضت تجمدت فيها أي حركة تجديد إما خوفا أو رهبة أوعدم قدرة على الولوج في طياته وصعقه من الداخل وبقوة وبأدوات العصر المتوفرة كي يبعث من جديد بأدوات جديدة ملائمة عسى أن تكون مخرجاتها ملائمة ومفيدة. نحن نعيش أزمة فكرية نوعية لم نستطع أن نتجاوزها منذ قرون عدة وأكثر، حيث إننا ننهل من ذات المراجع ونستقي ونسقي من ذات الكأس، هذا كله جعل مصادر علومنا مؤطرة محددة ثابتة، وكنتيجة لذلك تأطر الوعي الخاص والعام لدينا فلم نخرج أو لم نستطع أن نخرج أو أننا نخاف أن نخرج من هذا الإطار الذي كبل عقولنا وربط أفكارنا داخل هذه الأطر التي حدت من أي نتاج فكري ذي قيمة إنسانية أو مجتمعية أو علمية.. فقد تعودت أسماعنا المثول صامتين جامدين أمام خطاب عفى عليه الزمن!. من المؤكد أن هذا الخطاب المؤطر كان مفيدا يوما ما لظروف تختلف عن ظروفنا، ولكن اليوم يجب ابتعاث خطابنا الفكري من جديد وذلك بصدمة أو صدمات فكرية نوعية تبتعث لنا أو تنشأ لنا خطابا فكريا نوعيا يلائم متطلبات العصر، كما علينا استخدام أدوات العصر لكي تكون مخرجات تفكيرنا عصرية فلا يمكن استخدام العدة القديمة لتنتج فكرا حديثا..! وهنا لا أدعو إلى القطيعة مع ما كان، بل الاستفادة من كثير مما فيه ليكون مادة مفيدة في بناء فكر محصلته إعمار الدول وتطوير المجتمعات والسعي لحسن تعاون الأمم المختلفة ليعود علينا وعليهم بالخير. إن الخطاب الشعبوي التعبوي الناقص لم يعد له مكانا محترما بين الأمم، وخاصة منه ذاك الذي يستعدي الجميع ويقصي الجميع ويزكي الذات فقط، فلا أظن بأنه خطاب سليم.. علينا إدراك ذلك كأول خطوة نحو تفكير سليم وخطاب متزن.. وأن أي تفكير يحصر احتكارنا للإنسانية والآدمية لهو تفكير بلا أدنى شك غير صحيح في أقل توصيف له إن لم نقل مريضا وعدائيا وهذا ينطبق على غيرنا أيضا ممن يحمل ذات وصفة التفكير هذه في إقصاء وإلغاء الآخر؛ بل زجه بالجحيم فقط لأنه مختلف. من هذا الخطاب بعض الخطاب الديني المتعصب الذي يرمي كل مخالف بأبشع الصفات وأقدح النعوت فينتقص من كل ما هو مختلف؛ بل لا يرى فيه غير الشر وحسب ويدعو دائما إلى القطيعة وإني لا أتصور أن ديننا الحنيف ومقاصده الصادقة، تتوافق وهكذا فكر متأزم كاره للآخر في النهار ولذاته في الليل، فالأصل هو التعايش والتعاون ما أمكن فديننا سلام وعقيدتنا الإسلام. قال تعالى (إنا جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) لم يقل سبحانه لتتعاركوا!. المنتفعون من وجود هذا الإطار المحدد للفكر هم قلة قليلة بيننا ولكن مصالحهم الخاصة ومواقعهم المميزة بيننا (وخاصة منه الكهنوتي)، تقتضي أن يؤطر ويقزم أي فكر نوعي، بل يحاربون أي فكرة تقدم رؤية متطلعة إلى المستقبل من منظار آخر غير منظارهم الذي عودونا أن ننظر منه ومن خلاله فقط، ولا مانع لديهم من الاستكثار من الفكر الكمي المتكرر والمشروخ إلى درجة كبيرة والذي يشبه إلى حد كبير التغشيش في الاختبارات، فتجد نفس الإجابات حتى ولو كانت خاطئة على ذات الأسئلة (لأنها ببساطة نقل مغشوش دون أي جهد)، مصلحتهم تقتضي تسخير الآخرين للحفاظ على امتيازاتهم، وليبقى أي فكر محصورا ومحاصرا داخل الحدود المحددة له مسبقا كي لا تشرد منه شاة أو يفقد منه راع. لا بد إذن من الوقوف عند تقنية تفكيرنا المعاصر إن صح إطلاق عليه هذا الوصف، لأنه تقادم كثيرا واهتُرِئ تماما وأدواته قديمة ومخرجاته صدئة غير صالحة للعصر ونفعه بطال في هذا الزمن المتحرك والمتسارع في إنتاجه الفكري النوعي، وليس علينا الوقوف طويلا بل فقط لكي نستجمع قوانا الفكرية ونعيد صياغة منطلقاتنا الثقافية لكي نرمي بسهامنا الجديدة الفعالة في هذا الفضاء الفكري المترامي الأطراف اليوم، والذي يسابق فيه العلماء والمفكرون والمطورون الزمن وبقوة متسارعة ونحن نستمتع في جلوسنا في القعر ونعتاش على ما يصطاده الآخرون من علوم شتى، فيرمون إلينا بالفتات ما تبقى أو ما نستهلكه مقابل أموال طائلة، لكي نكون سوقا استهلاكية ليس إلا، لكل ما ينتج خارج منطقتنا دون أن نقدم أي مشاركة ثقافية أوعلمية ذات قيمة.