لا تكاد تخلو وسيلة إعلانية من العناوين الجذابة لدورات تقام في الفنادق وبأسعار بسيطة، ليكتشف المتدرب في النهاية أنه اشترى "الوهم" بشهادة غير معترف بها.. إلا أن الأسعار البسيطة لتلك الدورات، وغياب البديل؛ ساهما بشكل كبير في استمرار الإقبال عليها من شرائح مختلفة من المجتمع. العمل بلا ترخيص "وجدت إعلانا لهذه الدورة التدريبية في إحدى الصحف الإعلانية وبسعر بخس، وهو ما أثار رغبتي في تطوير قدراتي العملية، فقررت المشاركة إلا أن المفاجأة كانت في المستوى المتدني للمحاضر الذي كان في واد وموضوع الدورة في واد آخر، وبالنهاية اكتشفت أني أضعت وقتي فيما لا ينفع، وأضعت نقودي على أمر غير مستحق" كان ذلك جزءاً من حديث للمتدرب علي العضباني "موظف أهلي" في تجربته مع الدورات غير النظامية. وأضاف العضباني، في حديثه ل"الوطن": بالمجمل عرفت بعد ذلك أني أشارك في دورة غير مرخصة رغم أنها معلنة للعموم إضافة إلى إقامتها في أحد الفنادق المعروفة، بالطبع لم نتسلم شهادات معترف بها من الجهات الرسمية، نعم أعتقد أني أتحمل جزءاً من المسؤولية ولكن ماذا عن الآخرين. ما يقوله المتدرب العضباني يسري على كثير من أمثاله الذين انخدعوا بإعلانات تلك الدورات مع الجهل الذي يغلف معلوماتهم عن الشروط اللازمة لنظامية أي دورة تدريبية، مما ساهم في تزايد عدد الدورات بشكل مضطرد في السوق لاستقطاب الباحثين عن تطوير قدراتهم بشكل أكاديمي صحيح. ميدان ل"الغث والسمين" على الضفة الأخرى نجد الكثير من الامتعاض من قبل مالكي مراكز التدريب المعتمدة التي تضررت كثيراً من اقتطاع جزء كبير من حصتها السوقية لصالح جهات غير رسمية، حيث يقول فهد العتيبي "مالك مركز تدريب": نعاني كثيراً من المدربين الذين يقدمون دوراتهم في الفنادق بطرق غير نظامية، بل ويعلنون عنها في وسائل الإعلام بكل بساطة، هم أشبه بتجار الشنطة حيث ينتقلون من مكان إلى آخر، فلا يتركون أي ضمانات للمتدربين، كما أن البعض منهم يحاضر في تخصصات ليس له صلة بها، إضافة إلى دخول مدربين من جنسيات عربية مما زاد الطين بلة، فصار الميدان مختلطاً بكل غث وسمين، حتى أصبح الراغب في التدريب لا يعرف الوجهة المناسبة له، خاصة أن قدراتهم التسويقية عالية، فيضعون في الإعلان أن المدرب أو المحاضر معتمد من جامعة أدنبره بأسكتلندا أو جامعة أكسفورد أو أي اسم آخر. ويتفق عبد الله الصقهبي "مالك لمركز تدريب معتمد" مع سابقه، مضيفاً أن بعض الفنادق كانت جزءاً من المشكلة في السابق بسبب تساهلها مع الدورات المقامة لديها، وقال: نعرف جميعاً أن بعض الفنادق ترحب باستئجار قاعاتها لإقامة الدورات التدريبية حرصاً على الربحية وهو أمر مشروع لها، إلا أن غير المشروع هو السماح من قبلها بإقامة دورات غير نظامية وليست مرخصة، وتوفر لها الغطاء تحت مسميات مختلفة للتحايل على الأنظمة، والحمد لله أن الجهود التي تقوم بها المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب التقني آتت أُكلها بمرور الوقت، حيث شددت الرقابة على المنشآت التي تقدم التسهيلات لتلك الدورات المخالفة، فكان أن تقلص عدد هولاء المخالفين في السوق المحلية. وأضاف الصقهبي "ليس من المقبول أن يأتي أحد هولاء ويستأجر قاعة في مكان ما، ويدرب مجموعة من الأشخاص بشكل ارتجالي وتذهب كل النقود إلى جيبه، فيما نحن الذين ندفع الرسوم النظامية جميعها تتقلص حصتنا في السوق بسبب هذه الممارسات، خاصة في ظل الأسعار البخسة التي يقدمونها للمتدربين والتي من الصعب منافستها من قبل مراكز التدريب التي لديها التزامات أكبر". "الوطن" ترصد الوهم "الوطن" كانت لها جولة على إحدى الدورات المقامة في قاعة لأحد الفنادق، حيث وجدنا ثلة من المتدربين متحلقين حول مدرب من الجنسية العربية يرتدي بدلة رسمية زينتها ربطة عنق أنيقة تمنح انطباعاً أكاديمياً على شخصيته، فيما وضع على الطاولة ملفاً مليئاً بالأوراق ولا شيء سوى ذلك، فيما استغرق هو في الحديث بإسهاب في موضوعه التدريبي، وبعد نهاية الحصة التدريبية كان لنا معه وقفة، حيث استعرض قدراته التدريبية قبل أن يستدرك كل ذلك بعد أن عرف بمقصد الزيارة حيث فضّل إنهاء الحديث متعللاً بظروفه العملية، أما الدارسون فكانوا أكثر وضوحاً من مدربهم، حيث يقول المتدرب جوهر عبدالقادر إنه جاء للدورة لتطوير نفسه في مجال عمله، إضافة إلى أن إغراء سعر الدورة كان سبباً آخر لذلك، وأضاف "كلفتني هذه الدورة 300 ريالاً فقط ، فيما نفس الدورة ستكلفني في مركز تدريب معتمد قرابة ألف وخمسمائة ريال، وهو فرق كبير لا يمكنني مقاومته" فيما يقول متدرب آخر "رفض ذكر اسمه" إنه شارك في الدورة التدريبية بغرض الحصول على شهادة حتى لو لم تكن رسمية ومعتمدة لأن هذه الأمور لا زالت شكلية في القطاع الخاص، ويكتفي بصورة من الشهادة توضع في السيرة الذاتية لتعزز من حظوظه عند التقدم لأي وظيفة. وأضاف "أعلم أنه غير متخصص بشكل كاف في موضوع الدورة إلا أنه يمنحني ما أريد، علماً أني لم أحضر جميع الحصص التدريبية أيضا وهو سبب إضافي لقدومي هنا". جهود القضاء على الظاهرة مدير إدارة التدريب الأهلي بالمنطقة الشرقية غانم المنيصير علق على الأمر بشكل مفصل قائلاً: تتبع جميع الجهات المعتمدة لتقديم خدماتها في مجال التدريب الفني والتقني للمؤسسة العامة للتعليم التقني، وهي المعنية حصرياً بمنح التراخيص النظامية لتلك الجهات، ودورنا يقوم على متابعة الدورات المقامة في المنطقة والتأكد من مشروعيتها ونظاميتها، وهو عمل يتطلب الكثير من الجهد لفرق المتابعة لدينا، خاصة في ظل العدد الكبير من الدورات الذي تشهدها المنطقة، والتي تحتضنها الكثير من المنشآت سواء كانت فنادق أو قاعات وغيرها، كما نعمل على متابعة وسائل الإعلام لمعرفة أماكن بعض الدورات غير المرخص لها من قبلنا، وفي حال وجد أي من مراقبينا دورة مقامة يعمل مباشرة على إيقافها وإعادة جميع الأموال للدارسين في حال كان المحاضر غير معتمد مع إبلاغ شرطة المنطقة والإمارة، فيما تكون العقوبة في حال ارتكابها من قبل معهد هي إيقاف الإشراف على المعهد وترخيصه. ويضيف "حقيقة أن العمل كبير والساحة يوجد بها تجاوزات كأي عمل آخر، وهناك مخالفون لأي نظام مثل نظام الدورات التدريبية، إلا أن تضافر الجهود كفيل بإنهاء ذلك والقضاء عليه بشكل تدريجي". وختم المنيصير حديثه ل"الوطن" بالتأكيد على أهمية امتلاك راغبي التدريب للوعي الكافي للتمييز بين الدورات المرخصة وما سواها، مشدداً على استمرار المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب التقني على المحافظة على جودة مستوى الدورات المقدمة في السوق المحلية.