عشنا فترة تم فيها تغيير بعض المسميات الوظيفية في التعليم. فالموجّه التربوي أصبح مشرفًا تربويًا، وكان في بداياته يُسمى مفتشا. ومدير المدرسة تحول مسمّاه إلى قائد المدرسة، وهي إجراءات -في ظني- ليست بذات الأهمية كثيرا، ولن يغير تغيير المسمى من الدور المنوط بالموظف، أيّا كانت طبيعة عمله!. فمثل مدير المدرسة الذي عرفناه لعقود منذ نشأة التعليم، وفي غالب دول العالم، ما زال يسمى «مدير مدرسة»، لأن الإدارة فن وعلم ومهارة، ولا أظن حينما عمدنا إلى تغييره إلى مسمى قائد مدرسة، أنه قد طرأ شيء جوهري على مهام مدير المدرسة وواجباته. ومثل ذلك حينما تم تغيير مسمى وزارة التربية والتعليم إلى وزارة التعليم، وكانت في بداياتها تسمى وزارة المعارف، فدورها تعليمي تربوي، ولا أظن أن هناك شيئا كبيرا قد تغيّر أو سيتغير، لأن ما يهمّنا هو جوهر المهمة والدور الوظيفي، وتطوير مهارات الموظف أو الجهة. فقائد المدرسة الذي يقصد به مدير المدرسة، عليه واجبات ومهام يقوم خلالها على إدارة مدرسته، وقيادتها نحو تحقيق أهداف التعليم، كي تنجح المدرسة في رسالتها التربوية والتعليمية، ويشعر المسؤولون عن التعليم في بلادنا، بأن نواتج التعلم عالية ومرتفعة ومحققة للآمال المعقودة، وأن المعلمين قائمون بأدوارهم خير قيام، وهذا هو المهم في العملية التعليمية. فلا فرق إن سمّيناه مديرا أو قائدا، ولا فرق إن سمّينا المعلم مُدرِّسا أو المدرسَ معلما، فهناك مهمة وجهود يجب أن يؤديها المعلم «المدرس» بإتقان، لن تتغير بتغير المسمى بقدر ما يهمنا تطوير مهارات المعلم «المدرس»، وتنمية قدراته كي يكون قادرا على القيام بدور شامل «تربوي وتعليمي»، فينجح في مهمته التدريسية خلال امتلاكه مهارات التدريس الحديثة، والمهارات اللازمة التي تعينه على توظيف التقنيات الحديثة والوسائل الإلكترونية، والتوسع بإبداع في الأنشطة الصفية واللاصفية، والتطبيقات التعليمية العملية، وخلال اهتمامه برعاية جوانب الطلاب الشخصية، التي تعزز فيهم قيمهم الدينية والتربوية والأخلاقية والوطنية. ما أقصده هنا، أن تغيير المسميات لا يهمّنا كثيرا، بقدر ما يجب أن تنصبّ اهتماماتنا على مهمة من يقوم بإدارة المدرسة أو بالتدريس. فمدير المدرسة يفترض ألا يكون قد تسّلم إدارة المدرسة إلا ولديه مهارات قيادية، يستطيع -أولا- أن يقود المدرسة نحو أهدافها بنجاح، خلال إيجاد «بيئة صحية» تشكّل مناخا جيدا يعمل خلالها المعلمون بتفانٍ وإخلاص وحب، ويأتي الطلاب إلى مدرستهم وهم يسابقون خطواتهم صباحا نحو بوابتها والفرحة تملأ قلوبهم. وثانيا، خلال «تحفيز العاملين» في المدرسة -طلابا ومعلمين- على استثمار إمكانات المدرسة وتجهيزاتها ومرافقها، لتحقيق أهداف التعليم خلال الابتكار والإبداع، والبعد عن التقليدية. وثالثا، خلال «قدرته» على مدّ جسور بين المدرسة والمجتمع، كي يكون هناك تواصل بين أولياء أمور الطلاب ومنسوبي المدرسة، لإيجاد تعاون يصبّ في مصلحة تحسين نتائج أولادهم الدراسية والتربوية، ولمعالجة ما قد تظهر من مشكلات تعترض مسيرتهم الدراسية، أو مواجهة سلوكيات سلبية كالعنف الذي شاهدناه عند بوابات المدارس، أو تحدث داخلها كالحادثتين المؤسفتين اللتين انتهتا بالقتل بين أطفال دون ال12 سنة. فتواصل المدرسة بالبيت يساعد على تدارك كثير من السلوكيات والإشكالات التي قد تشكل عوائق تصعّب من مهمة المعلم والطالب والمدرسة والبيت، أو تتحول إلى ظواهر مزعجة للمجتمع، وقد تؤدي إلى عرقلة جهود المعلمين أو تحدّ من رسالة المدرسة. ورابعا، العمل مع المعلمين بما يخدم «تطوير مهاراتهم» وتوسيع مداركهم وتنمية أساليبهم، وهذا يتحقق لمدير المدرسة خلال إيجاد شراكات مع المعلمين، تسهم في صناعة نجاحات المدرسة، وعبر عمل جمعيّ داخل منظومة لا تنجح إلا بالعمل الجمعي، فيمكنه تكوين مجموعات تدريب وتطوير وتعلم من المعلمين داخل المدرسة. فمجموعة تقوم على تنمية كفايات مجموعة أخرى مهمتها التدريب، ومجموعة تكون مهمتها قياس الجودة وتقويم الأداءات، وتقديم المقترحات التطويرية في ضوء نتائجها، ومجموعة تعقد جلسات حوارية لتنمية التفكير الناقد وأدبيات الحوار، وهكذا.