فيما تترقب الجامعات السعودية إقرار مجلس شؤون الجامعات الآلية المناسبة والخطة الزمنية لتطبيق أحكام مشروع نظام الجامعات الجديد، الذي وافق عليه مجلس الشورى في 6 نوفمبر الماضي، تجددَ الجدل حول جدوى دمج وزراتي التعليمين «العام والعالي» في وزارة واحدة، بعد مضي 4 سنوات على هذا الدمج، وهي فترة رأى مختصون أنها كفيلة تماماً بتقييم الجدوى، مطالبين بفصل التعليمين العام والعالي في وزارتين مستقلتين، وهي الخطوة التي أقدمت عليها بعض الدول التي خاضت تجربة الدمج قبل أن تتراجع عنها لاحقاً، كما حدث في ماليزيا التي دمجت الوزارتين عام 2013 ثم تراجعت وفصلتهما بعد عامين؛ لأنها رأت أن الفصل سيمكن وزير التعليم العالي بالوفاء بالمتطلبات المتزايدة لمؤسسته، بدلاً من أن ينشغل بالتعليم العام على اتساع مجالاته وتشعب قضاياه. دمج الوزارات أشار الخبير التعليمي عوض الشمراني، في حديثه ل«الوطن»، إلى أن مبدأ دمج الوزارات معمول به في كثيرٍ من دول العالم مع اختلاف غايات هذا الدمج، وقال «دمجت إيطاليا وزارتي التعليم العالي والبحث العلمي مع التعليم العام، ومثلها فعلت ماليزيا التي خاضت نفس التجربة عام 2013 بدمجها وزارة التعليم العالي مع التعليم العام، معللةً الأمر بتحفيز تحوّل التعليم ليتواكب مع معايير التعليم الدولية عام 2020، مستهدفة من تلك الخطوة تطوير التعليم الوطني بجعل مؤسسات التعليم تحت مظلة واحدة لتسهيل عملية الإدارة، إلا أن الدمج لم يدم طويلاً، ففي عام 2015 تم فصل الوزارتين عن بعضهما، وكان التبرير لذلك، أن الفصل سيمكن وزير التعليم العالي من الاهتمام بشكل أكبر بالتعليم العالي والوفاء بالمتطلبات المتزايدة لمؤسسات التعليم. جدوى الدمج شدد الشمراني على أن فترة السنوات الأربع الماضية كانت كافية لتقييم جدوى دمج التعليم العالي (الجامعات) مع وزارة التعليم العام، ومدى تأثير هذا الارتباط على الجامعات بشكل خاص من الناحيتين المالية والإدارية، وقال «لو نظرنا إلى التعليم بشقيه العام والجامعي لوجدنا أن التعليم العام يستحوذ على النسبة الأكبر من الاهتمام المالي والإداري، والتركيز على التطوير وتحسين المخرجات، وهذا الاهتمام منطقي إلى حد كبير عطفاً على حجم المشاريع وبنود الموظفين وأعداد المستفيدين من التعليم العام، لكنه يلقي بظلاله سلباً على التعليم الجامعي». صفة اعتبارية أضاف الشمراني «للجامعات صفتها الاعتبارية، ولا يتحقق هذا إلا من خلال استقلاليتها التامة إدارياً ومالياً وتمتعها بكامل الصلاحيات، ومن وجهة نظري الحل الأنسب والأمثل لذلك والذي يتوافق مع رؤية المملكة 2030 هو خصخصة الجامعات الكبيرة دون الجامعات الناشئة». وحدد الشمراني المقصود بالجامعات الكبرى هي: جامعة الملك عبدالعزيز، جامعة الملك سعود، جامعة أم القرى، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، جامعة طيبة، وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن. ورأى أن خصخصة هذه الجامعات سيجعلها تتمتع بكامل الصلاحيات مثل: التخطيط وإقرار اللوائح والأنظمة والاستثمار، على أن تبقى الجامعات الناشئة تحت مظلة وزارة التعليم، وتكون مكملة للمرحلة التعليمية التي تركز على التعليم التطبيقي في الدبلوم والبكالوريوس، موضحاً أن هذا ما نوهت إليه مسودة نظام الجامعات الجديد. عدم تأثر استبعد الشمراني تأثر أعضاء هيئة التدريس والجامعات بقرار دمج الوزارتين من ناحية الخطط أو المزايا أو الاهتمام خاصةً فيما يتعلق بأعضاء هيئة التدريس، وقال «بعد التعديلات الجديدة على اللائحة التعليمية وسلم رواتب شاغلي الوظائف التعليمية في التعليم العام لم يتأثر التعليم الجامعي بهذه التعديلات أو التحديثات خاصةً فيما يتعلق بكادر أعضاء هيئة التدريس والمحاضرين والمعيدين». غياب الخارطة بدوره، أكد الأستاذ الجامعي السابق الدكتور عبيد العبدلي، أنه ومن خلال خبرة عمل في 5 جامعات في القطاعين العام والخاص وخلال وقوفه على قرار الدمج مباشرةً عندما كان يعمل في ديوان وزارة التعليم العالي (سابقاً)، لاحظ أنه لم يكن هناك أي خارطة طريق لهذا الدمج، وقال «لم تكن هناك أي بوادر ظاهرة أو فوائد لهذا الدمج، أما وبعد تعيين نائب وزير لشؤون الجامعات والبحث والابتكار، فقد يكون هذا التعيين تقدماً نحو التوجه الصحيح، والمتمثل في استقلال الجامعات عن التعليم العام». حمل كبير لفت العبدلي إلى أن «وزارة التعليم تتحمل عبئاً كبيراً جداً في الوقت الحالي، فهناك جامعات أهلية عدة، و28 جامعة حكومية، وقرابة 18 كلية أهلية، وأكثر من 500 ألف موظف، إضافة إلى آلاف المدارس، والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، وتحمل وزارة واحدة لكل هذه الجهات صعب جداً ولن يمكنها من أداء عملها بالشكل الأمثل». وبيّن «يفترض ألا تُطالب الوزارة بنتائج إيجابية وهي مكبلة بعددٍ من المسؤوليات، وذلك بغض النظر عن الوزير الحالي أو القادم، ولا يمكن أن تزدهر الوزارة إذا لم يكن هناك فصل للتعليم العام عن الجامعي، وأنا مع إعادة وزارة التعليم العالي إلى ما كانت عليه، مع أن يكون دورها إشرافي وتمثيلي، وأن تترك لكل جامعة الاستقلالية التي ننادي فيها دائماً، وذلك أسوة بجامعة البترول التي أصبحت تتبع وزارة الطاقة، ولا تتبع لوزارة التعليم بشيء». إعادة النظر أبدى العبدلي أمله في أن يعاد النظر في قرار الدمج، وأن تكون وزارة التعليم مستقلة عن التعليم الجامعي، وقال «تم فصل وزارة الصناعة عن الطاقة من أجل الصالح العام، ولا أستبعد أن تتم خطوة مماثلة على ذات النهج لتحقيق الأصلح لتعليمنا». وأضاف «كنا نشتكي سابقاً في الجامعات من مخرجات التعليم العام، ونصنفها على أنها ضعيفة ولا تتناسب مع متطلبات الجامعة، ولذلك وُجدت السنة التحضيرية لتأهيل الطلاب، لنحصل على الأفضل، وكان كل طرف يرمي الكرة في ملعب الآخر، ومع دمج الوزارتين قلنا إنه قد تكون الخطط والأهداف واضحة، ولكن المشكلة ما تزال قائمة، لذلك فإن الدمج لم يحقق الهدف المنشود». إيجابيات واحتياجات أوضحت الباحثة في السياسات والقيادات التعليمية والثقافات الاجتماعية الدكتورة نورة عبدالله الهديب، أن دمج التعليم العالي والتعليم العام تحت مظلة وزارة التعليم كان له إيجابيات سطحية، قد تكون سبباً في تكوّن فجوات داخلية تنظيمية أو إدارية وتربوية وتعليمية وكذلك بحثية ومنهجية. وأشارت إلى أن الجهود التي يبذلها الوزير الحالي جيدة، ولكن الضغط الهائل بعد عملية الدمج على الوزارة قد يتسبب في تأخر الوصول للأهداف المرجوة؛ لأن اختلاف الاحتياجات بين التعليمين العام والجامعي قد يؤثر على الرؤية المستقبلية للتعليم مما تسبب في وجود خلل أو تعطيل. منظومة قوية أضافت الهديب «فصل منظومة التعليمين الجامعي والعام كما كان سابقاً، إضافة إلى تطلعات رؤية 2030 سيساعدان على النهوض بمنظومة قوية تركز على أدوات ومكونات واضحة ومستقلة على صعيد المستوى الجامعي والعام، وبحكم دراستي واطلاعي على بعض الإستراتيجيات، فمن وجهة نظري أن التعليم العالي بجامعاته وكلياته وبيئته الأكاديمية الخاصة يحتاج إلى معطيات تتناسب مع مدخلاته ومخرجاته المعرفية والعلمية، لذلك يحتاج إلى مصدر خاص يراعي متطلبات منظومته، والدمج قد يؤخر في استمرارية عطاء الجامعات بشكل عام». وأشارت إلى أنه مع الأخذ بالاعتبار باحتياجات ومتطلبات كل منظومة والتركيز على الأدوات المتوفرة وكيفية استخدامها لسد الفجوات المتراكمة لصنع سياسات وإستراتيجيات مستحدثة ومُكملة للمنظومتين، مع خلق جسر بينهما سيحول مخرجات التعليم العام إلى مدخلات جيدة للتعليم الجامعي، وهذه إستراتيجية مستخدمة في الخارج عند بعض الجامعات. قوانين واضحة قالت الهديب إن «من الأمور الجميلة التي تعلمتها في الخارج، أن منظومات التعليم هناك تراعي الاختلافات البيئية والاقتصادية والاجتماعية لكل ولاية مثلا، وكذلك تأخذ بعين الاعتبار تلك التشابهات التي استند عليها النظام التعليمي وتضع قوانين واضحة ومرنة على حسب احتياج المجتمع». مضيفا أنه «وبسبب وضوح رؤية النظام التعليمي بشكل عام، فإن الدمج سهل أو فصل منظومة التعليم في الولايات المختلفة، وذلك على حسب قانون كل ولاية، لذا سيكون الأمر أكثر إيجابية لو تم الفصل بين التعليمين العام والجامعي، ليكون عطاء القادة أكثر عمقاً ودقة؛ لأن ذلك سيعود بالمنفعة على أطفالنا مستقبلاً والمجتمع». عيوب الدمج 01 التعليم العام يستحوذ على النسبة الأكبر من الاهتمام 02 يؤثر الدمج سلباً على الصفة الاعتبارية للجامعات 03 يحرم الجامعات من الاستقلالية الإدارية والمالية 04 يكبل الدمج الوزارة بعددٍ هائلٍ من المسؤوليات والالتزامات 05 الدمج لم يحقق سوى إيجابيات سطحية 06 يولد ضغطاً هائلاً على الوزارة ويؤخر تحقيقها لأهدافها أعباء إضافية تتحمل الوزارة عبء عدة جامعات أهلية 28 جامعة حكومية