يبدو أن أول ما أسست سوق عكاظ كانت سوقا تجارية أشبه بالأسواق التي في بلاد العرب في طولها والعرض، ثم تطورت فانبثقت عنها الأسواق الأدبية والشعرية، ثم تطورت إلى ما نقرؤه ونسمعه عنها، لم تضاهها أي سوق أخرى إلا سوق المربد في البصرة في العهد الإسلامي، ولا تستبعد أن عكاظ كانت هي المحتذى. لقد كان العرب يفدون إلى سوق عكاظ كل عام من جميع أقطار وأنحاء الجزيرة كما تقدم، وكل قطر يعرض محصوله ومنتوجه وصناعته، فكانت تجلب لعكاظ مصنوعات ومنتوجات هجر والعراق وغزة وبصرى يجلب لها من البوادي السمن والأنعام، ومن اليمن البرود الموشاة والأدم (الجلد)، وتجلب لها أنواع الطيب والحرير والأحذية والزيوت والزبيب من الشام والسلاح، إلى غير ذلك مما يباع ويشترى. وترسل لعكاظ تجارة من فارس، وقد كان النعمان بن المنذر يرسل إليها اللطيمة (العير المحملة مسكا)، يرسلها في جوار رجل شريف من أشراف العرب يحميها ويجرها لتباع ويشتري بثمنها ما يحتاج إليه من أدم الطائف. وكان كسرى يرسل بالسيف القاطع والفرس الرائع والحلة الفاخرة، فتعرض في تلك السوق وينادى أن لا يأخذها إلا من أذعنت له العرب، وكان آخر من أخذ ذلك حرب بن أمية، يريد كسرى بذلك معرفة سيد العرب ليكون عونا له، وكان أحد ملوك اليمن يبعث بالسيف الجيد والحلة الحسنة والركوب الفاخرة ليأخذ أعز العرب، فإذا عرف دعاه ليفد إليه ويحسن صلته وجائزته. وتمتلئ عكاظ بالناس وتضيق بهم، ويربح التاجر والجالب ربحا عظيما، وقال المرزوقي: إن دخلت سنة 15 من عام الفيل فحضر السوق أناس لم يروا أنه حضر مثلهم من قبل، فباع الناس ما كان معهم من إبل وبقر ونفد، وابتاعوا أمتعة مصر والعراق والشام. القضاء في عكاظ قال المرزوقي: إن أمر الموسم وقضاء عكاظ كان في بني تميم، وإن ممن تولى القضاء عامر بن الظرب العدواني، وسعد بن زيد بن مناة، ولما جاء الإسلام كان يقضي بعكاظ محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم. وممن حكموا في سوق عكاظ الأدبية والشعرية النابغة الذبياني ومن سبقه ومن جاء بعده تضرب لهم القباب من الأدم ويجتمع عليهم الشعراء، واللجان لتحكم للمتفوق -على نحو ما يجرى في معارضنا- حكما نافذ المفعول يسري من أقصى الجزيرة إلى أقصاها. الحرب والسلم وكم قضية ومشكلة أثارت حربا في عكاظ، وكم تدخل في سلم بين قبائل العرب وحرب الفجار انطلقت شراراتها من عكاظ. * 1995