تبرز لافتات وتُعلق أو تقف هنا وهناك، تتصدر واجهة المحلات، تعلوها عبارات ناعمة وأرقام جاذبة، جُلّها (مرحباً بكم!، عملاءنا الكرام هذا من أجلكم!)، نراها دائما في غالب المحلات التجارية، إنها لافتات تكاد تكسو المكان، وأحيانا نرى بالحرف والصورة: (اِشترِ اثنتين واحصل على الثالثة مجانا، أو اشترِ واحدة وخذ وصيفتها معها). عجبي، كم من الأرباح يجني هذا؟ وفي الوقت نفسه نرى لوحة صارخة (تخفيضات) من 20% «مكتوب بحرف صغير» إلى 75% «بخط صارخ كبير»، ويسري لي الاعتقاد أنه أشبه ما يكون بحلاوة فاسدة ولكنها غلُفت بغلاف لامع براق، الهدف منه جذب مرتادي ذاك المكان وهذا المتجر، ولكن الزبون الذي استقطبه هذا النداء وجذبه هذا التحفيز ما يلبث حين دخوله إلى مسابر التخفيض، ويبدأ في محاولة الاستفادة من هذه الممارسة التجارية، حتى يرى ويشاهد بأم عينيه ما يتوارى خلف الكواليس، وقد يصاب بتخمة، تخمة من الخيبة ومن مشاهدة الواقع، ومن سوء المعاملة من العاملين في تلك المتاجر والمكلفين بخدمة الزبائن، فهل هم غير راضين عما يجري؟ أم إنهم متذمرون من هذا الجذب الذي دفع بهذا الكم من الزبائن؟. كَمّ كبير، يحتاج إلى تحريك راكد العاملين، ولذا نرى غالبية العاملين يتنافسون في رمي خدمة الزبون من عاتقه إلى عاتق عامل آخر، وهنا يشعر الزبون بأنه ككرة يتقاذفها الجميع بينهم، وصمته سيحيله بعد انتهاء تلك المباراة إلى البقاء في زاوية من زوايا ذلك المكان المليء بالوهم والوهن، وقد ينتهي بخروجه دون أن يحصل على ما يريد. أو يتذمر ويسخط، وقد يضطر إلى الشكوى للعثور على خدمة كتبت له في تلك اللافتة المعلقة على الباب، والتي كانت سببا لجذبه ودخوله هذا المكان والوقوع في هذا الفخ. من منا لم يكن في طابور أحد المتاجر لوقت طويل ممل، يجعله بين خيارين: إما أن يكمل ويضحي بوقته ويتحمل ملله، أو ينسحب، فهم يجذبون الزبائن بأسلوب ذكي، فيتضاعف العدد، أضعافا تفوق إمكانات المكان. كل ذلك بلا استعداد معنوي وبشري، وبلا آلية تعامل وخدمة، وينطبق عليهم منظور من لم يفكر بالصعود قبل النزول، فيجعل المتعامل في حيرة. لم كل هذا العناء الذي نكابده؟ ولماذا المتجر لا يوفر من يقوم بخدمة المشتري في طلبه وفي المحاسبة، بالعدد الذي يغطي أعداد المشترين داخل ذلك المتجر؟. وقد يكون المتجر كبير المساحة، وهنا تكون المهمة أصعب في مراجعة الصنف الذي جلبه للمحاسبة أو التحقق من رقمه الإلكتروني. والأصعب ما يحدث خلال قرب وقت إغلاق المتجر وهو مكتظ بالمتعاملين، تراهم وكل منهم يقوم بخدمة نفسه بدلا من خدمته وتزويده بالمعلومات عن تلك السلعة المبهمة، مما يتسبب في تأخره، فضلا عن بعض الباعة في بعض المحلات التجارية الذين يحتجون بعدم توافر السلعة في اللون أو المقاس أو نوع معين، رغم توافرها، وإنكارهم وجودها، تهربا من البحث عنها، أو جلبها من المستودع. وهذا يؤكد عدم انتماء الموظف أو الموظفة إلى منظومة العمل ومكان الوظيفة، بل يدفع إلى الاعتقاد بأن ما يربطه بالمكان والمنظومة هي أجرته فقط، مقابل عمل قاصر ناقص لم يقم بتأديته على الوجه الأمثل. كل ما نحتاج إليه -كزبائن- تطبيق مفردة الصدق بين تلك اللافتات البرّاقة اللامعة الزائفة، وما خلف الكواليس في المتجر، وتقديم الخدمة التي نحتاج إليها، وتنظيم الدخول بوقت كاف قبل إغلاق المتجر، واختفاء صورة غلق المنافذ وترك جزء من باب واحد، كي يتم تهريب المتعامل الذي ظفر بطلبه خلاله، وتحويل آخر في الداخل يبحث عن صنف في مضمون الدعاية من موظف إلى آخر، قد لا يوجد داخل المتجر لإشغاله بالبحث، أو للإيقاع بالعامل الخارج من زميله أو زميلته على حساب ووقت المتعامل حتى ينقضي الوقت. ثم هل تبادر إلى أذهانكم -كزبائن- لماذا لم يتوافر في الموقع جهاز تقييم؟ يقوم الزبون بتقييم الخدمة خلاله وتقييم طاقم المتجر، ورفع التقييم مباشرة إلى إدارة الشركة التي يعود إليها المتجر، كي يعثر الزبون على خدمة ترضيه وتتلاءم مع ما تم تعليقه على باب المتجر؟ هذا في جانب الخدمة. أما التلاعب بالأسعار، فقد لا تغيب عن معرفة الجميع، رغم المتابعة والرقابة. إلا أن هناك من يرفع السعر ثم يخصم من الزيادة ليعود إلى السعر الحقيقي أو يلامسه. ختاما، ليت من خَطّط ونَفّذ تلك اللافتات الفنية والصور والأرقام التي تتلاعب وتدغدغ مشاعر الزبائن، يجعل الواقع متناغما مع ما أعلن عنه، وأن يتم إعداد المحل وإمكاناته وعمالته لتحقيق ما تم الإعلان عنه.