جامعة طيبة تعلن توفر عددٍ من الوظائف الأكاديمية    التضخم في السعودية ضمن أقل المعدلات بين دول G20 بنسبة وصلت ل2.0 % في نوفمبر الماضي    طقس شديد البرودة مع احتمالية تكون الصقيع ب3 مناطق    اللاعب السعودي حسن عابد يحقق فضية كأس العالم للمبارزة    نور الرياض 2024 يحصد لقبين عالميين من "غينيس"    العرب يقفون مع سورية وتحقيق تطلعات شعبها    منع بناء الغرف والجدران ب«البلوك» خلال التخييم في محمية الملك عبدالعزيز    35 قراراً ل «كوب 16» للحدِّ من تدهور الأراضي والجفاف    3475 مخالفاً أحيلوا لبعثاتهم الدبلوماسية لاستكمال تسفيرهم    5 أسباب لحظر شبكات التواصل على المراهقين والأطفال    المملكة تستنكر قصف قوات الاحتلال مخيم النصيرات    وجه جديد لموروث أصيل.. 17 صقّارة يخطفن الأضواء في مهرجان الملك عبدالعزيز للصقور 2024    14.9 تريليون ريال قيمة تعاملات المصرفية الإسلامية    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يحضر الحفل الختامي للعرض الدولي السابع لجمال الخيل العربية الأصيلة    حدث مستدام    برشلونة يواجه ليغانيس من دون المدرب فليك    أبيض وأسود    القيادة تهنئ رئيس كينيا    إن العالم يتحول.. طموحات المتقاعدين    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو الرئاسي اليمني ووزير الدفاع ورئيس الأركان    المملكة تطلق دواءً لعلاج فقر الدم المنجلي    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية في العالم    ضبط 19831 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    OpenAI تتحدى إيلون ماسك    روبوت يتواصل مع الزبائن    معرض جدة للكتاب يستهل برامجه برواية الانتهازي    ليالي أبوعريش تراث استثنائي    النرجسية في عالم العمل    تراث وهوية ثقافية    الدحض    تأثير الاختيارات الغذائية على العمر    أطعمة تقصر العمر وأخرى تطيله    "الصحة العالمية": المملكة تخفض عدوى مجرى الدم في العناية المركزة أربعة أضعاف خلال أربع سنوات    رئيس هيئة الترفيه يعلن عن نزالات UFC القادمة ضمن فعاليات موسم الرياض    تايكوندو الحريق يجدد انتصاراته بكأس الناشئين    شركة أمريكية لإدارة الازدحام المروري    العدالة الاجتماعية.. قبل «العولمة».. !    تساؤلات حول سوريا الجديدة والجولاني..!    من يستخدم الآخر: التكنولوجيا أم الإنسان؟    ما زلت أحب    ملك الأردن يستقبل وزير الخارجية ولجنة الاتصال العربية بشأن سورية    رئيس البرلمان العربي: تسخير أدوات الدبلوماسية البرلمانية لدعم جهود الدول العربية والجامعة العربية في التعامل مع الأزمات الراهنة    تأخير الدوام إلى ال 9 صباحًا بتعليم تبوك بدءًا من الغد    القبض على وزير الدفاع البرازيلي السابق    797 سلة غذائية و100 حقيبة إيوائية للمتضررين بسورية وأفغانستان    إيجابي    الإنسان والعِلم.. رؤية قرآنية لغاية الوجود    رعاية لأبناء القاصدين للمسجد النبوي    الرؤية تعيد تعريف دور المرأة    المملكة تسهل إجراءات العمرة.. والهدف 30 مليون معتمر من الخارج سنوياً    القوة الخاصة لأمن الطرق بالرياض تقبض على مقيم لترويجه مادة «الشبو»    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالصحافة يجري عملية تكميم ناجحة لمراجعة تعاني من تشوه «الأعضاء المعكوسة» النادر    المملكة وتنظيم كأس العالم 2034    بندر بن سلمان البداح كأس العالم 2034 حدث عالمي    أكثر من 1200 حالة وفاة بسبب جدري القردة في الكونغو الديمقراطية    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي ووزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان للجيش اليمني    الرئيس التنفيذي ل«جودة الحياة» يناقش التعاون مع الأمم المتحدة    قائد القوات المشتركة يستقبل العرادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ينابيع القراءة وجسور الكتابة
نشر في الوطن يوم 31 - 05 - 2019

في ليلة مباركة أنزل الله تعالى أولى آيات القرآن الكريم، وهي الآيات الأولى من سورة العَلَق على سيّدنا ونبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، بغار حراء، قال تعالى: ﴿اقرأ بِاسْمِ رَبِّكَ الذي خَلَق﴾، أمر عظيم، من رب العالمين، في كتاب كريم، إنه الأمر بالقراءة، مفتاح العِلم الأول، وسراجها المنير على الدوام، وسببها الأقوى، مَن امتلك هذا المفتاح فُتحت له أبواب المعرفة، ومن أشعل سراج القراءة أضيئت له دروب الوعي، ولا يستطيع أحد من البشر أن يسلب منه المفتاح، ولا قُدرة له على إطفاء السراج، ولا وصول له إلى تعطيل السبب.
شأن الكتابة عظيم، وأمانة الكلمة جسيمة، وكم كلمة رفعت صاحبها عند الله تعالى ثم عند خلقه، وأخرى هوت بصاحبها إلى قاع سحيق، ويكفينا دليلا على علوّ شأن الكتابة أن الله تعالى أقسم في كتابه الكريم بالقلم، قال سبحانه: ﴿ن والقَلَمِ وما يَسْطُرون﴾، وكل من يحمل قلما أو هاتفا في جيبه مسؤول عما يكتب ويرسل إلى الناس، تشمل هذه المسؤولية ما يكتبه شخصيا، بأن يتحرى الصدق والأدب في كل كلمة، ويتوخى الحذر من نقل الكذب والإساءة فيما يصله من رسائل، وعدم استسهال عملية النسخ واللصق والمشاركة السريعة، مع العلم أن كلمة (منقول) أو (كما وصلني) لا تعفي الناقل من الحرص على الصدق فيما ينقل وينشر.
إذا أردت أن تُسعد إنسانا فحبّب إليه القراءة، مقولة لها من الصدق نصيب كبير، وما من شخص يتمتع بالوعي والسعادة وحُسن الخُلق، إلا كان مردّ الفضل لما هو فيه إلى مَن أخذ بيده ذات يوم إلى بساتين القراءة والمعرفة، سواء كان الأب أو الأم أو المعلم أو الصديق، ثم تركه في البستان، يقطف ثمرات ما زرعه السابقون من علوم ومعارف وفكر وفنون، فامتلأت سلة الحصاد بما لذّ وطاب من علوم وآداب وثقافات، إن قرأ القرآن الكريم توثقت علاقته بالله تعالى، وإن قرأ في السنّة النبوية ازداد حُبا لنبيه، صلى الله عليه وسلم، وإن قرأ الشعر والأدب استقام لسانه، ورقّت أخلاقه، وزاد ارتباطه وانتماؤه لعروبته، وإن قرأ في العلوم العلمية نما عقله، وأدرك عظمة هذا الكون وقوة خالقه، عز وجل.
تروي القراءة عطشَ القارئ إلى المعرفة، وتجيب عن كثير من الأسئلة الكامنة في عقله، وتزيد حصيلته من الثقافة، تماما كما تفعل الينابيع العذبة للوارد عليها، وكلما طاب الماء عذوبة وبرودة، انتاب الناهل منه إحساس بالشوق إليه والاستزادة من معينه، وفي القراءة بُعد إنساني مهم، وهي تلك المواساة التي يجدها القارئ في سطور مكتوبة بإحساس صادق وعناية أدبية، وكم من كُتب وكلمات كتبها أصحابها ونسوها، وما زال القراء يعثرون فيها على المواساة والدعم، ولعل سطورا كانت خير أنيس لقارئها في ليلة مظلمة بقرية نائية، ولا شك أن القراء تعاطفوا يوما ما مع بطل رواية فقير عاثر الحظ، وحين تمت ترجمة هذا العمل الأدبي إلى عدة لغات، أصبح أدبا بصفة عالمية، ينتمي إليه وإلى كاتبه قراء ومثقفون من جميع الأعراق.
تمدّ الكتابة جسورا من المحبة والعلاقة الإنسانية الراقية بين الكاتب والقارئ، يستوي في ذلك الأحياء والأموات من الكُتاب والأدباء، ولربما ارتبط قارئ أو قارئة ارتباطا معرفيا بكاتب يعيش في بقعة بعيدة من الدنيا، أو كاتب توفي منذ سنين عدة، وهنا يتمثل السر اللذيذ في القراءة والمعرفة، فهي لا ترتبط بالجغرافيا، ولا تعترف بالتاريخ، بل إنها عابرة للمكان والزمان، وبين القراء من يعرف سيرة حياة كاتب وإنتاجه الفكري والعلمي، وكأنه أحد جيرانه أو أقاربه، كل هذا جاء بتقليب صفحات مؤلفاته، ومتابعة إبداعه أولا بأول، وهذه العلاقة الدافئة مع القراء كنز ثمين، يحقق للكاتب الرضا عن نفسه، ويدفعه إلى مزيد وجميل من العطاء.
أحببتُ القراءة وتعلقتُ بها طفلا صغيرا، وأنا أتخذ مكاني في الصف الأول الابتدائي، وأتنقل ببصري في اللوحات المعلقة على حيطان الصف وبقية حيطان المدرسة، أدهشتني أشكال الحروف العربية وأنا لم أتعلّمها بعد، أطلقتُ الخيال مع البصر متأملاً هذه الانحناءات الفاتنة للحروف، والتجويفات الساحرة الفارغة لبعض الحروف أو الممتلئة لبعضها، نظرتُ إلى حرف جميل، يضع على رأسه قبعة أنيقة، تميزه عن بقية الحروف، عرفت في الأسابيع التالية أن اسمه حرف الألف، خشيتُ أن أضع إصبعي على طرف حرف يشبه أسنان المنشار في حدتها، ظننتُ حينها أن أصابعي ستتعرض للجرح، ثم عرفتُ لاحقا أنه حرف السين، اندهشتُ من حرف يظهر أنيقا في أربعة أشكال، وعرفتُ فيما بعد أنه حرف الهاء.
اتصلت علاقتي بالكتب منذ المرحلة الابتدائية، كان موعد زيارة مكتبة المدرسة عيداً يغمر حواسي بسعادة لا حدود لها، اتخذ معلمو وأساتذة اللغة العربية في جميع مراحل التعليم العام والجامعي مكانة أثيرة في العقل والقلب، كنتُ أراهم بشرا من نوع مختلف ومميز، إذا بدأ أحدهم يحكي حكاية باللغة العربية، أو يلقي قصيدة فصيحة، ينعدم إحساسي بالزمان والمكان في الواقع، ويسافر المخيال بعيدا إلى زمن الحكاية أو القصيدة، وأبدأ لا إراديا في رسم الشخصيات التي لها دور فيما يقرؤه الأستاذ، وكأنني أرى وأسمع على الحقيقة تلك الشخصيات، لا أنسى الحكايات والقصص التي كانت تملأ كتب القراءة في المرحلة الابتدائية، وما تحفل به مكتبات المراحل التعليمية من كتب ذات محتوى معرفي ثري، ولا أنسى أبداً صوت الأستاذ في الجامعة حين قرأ قصيدة الشاعر مالك بن الريب في رثاء نفسه، حيث عم القاعة صمت المقابر، بالرغم من احتشادها بالطلاب.
يا رفيق الحرف، لو انطلقتُ في كتابة حكاياتي مع القراءة والكتابة فلن تكفيني الصفحات الكثيرة، أنا -على سبيل المثال- لا أطاوع نفسي كثيرا في اقتناء الكتب، لأن النتيجة ستكون امتلاء المنزل عن آخره بالكتب، ولهذا أزور معارض الكتاب زيارات عابرة، وأذهب إلى المكتبات على فترات متباعدة، بالرغم من محبتي التواجد في أي مكان سكانه من الكتب، ومن حين لآخر أضيف إلى رفوف المكتبة الخاصة بي كتابا أو أكثر، أما الكتابة فقد منحتني شعورا بالسعادة، ذلك أنها طريقة أنيقة للتعبير عن الذات، يعرف هذا من اختاروا الأفكار والحروف والكلمات أصدقاء لهم، ما إن تشغل بالهم فكرة، حتى تنساب الكلمات بين أصابعهم تعبيرا عن تلك الفكرة وتدوينا لها شعرا أو نثرا، ويجدون في الكتابة سعادة عقلية وراحة نفسية، حالهم في ذلك حال من يهوى النحت أو التصوير أو الرسم وغيرها، وكأن هذه الهوايات استشفاء وبلاسم، تُخفف عن الإنسان من تعب الركض اليومي في دروب الحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.