مع إعلان وزارة الثقافة عن توقيع سمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان لوثيقة تشغيل قناة الثقافية مع مجموعة (MBC) شعرت كمثقف بحالة كبيرة من السرور، واستذكرت تلك الأيام الخوالي مع قناة الثقافية التي أسسها وزير الثقافة والإعلام الأسبق الدكتور عبدالعزيز خوجة، وأنهى وجودها بجرة قلم الإعلامي داود الشريان حال ترؤسه لهيئة الإذاعة والتلفزيون. وكان أن رجوت - في عديد من مقالاتي وأحاديثي المتلفزة - إعادة إحياء القناة بمتانة أقوى، وبميزانية أكبر، وأن تشرف عليها وزارة الثقافة وهي في ثوبها الجديد برئاسة سمو الأمير بدر. على أني ومن باب الإنصاف أحب أن أشيد بإدارة الإعلاميين القديرين محمد الماضي وعبدالعزيز العيد وزملائهما لقناة الثقافية في وقت سابق، وعملهم الدؤوب على أن تكون حاضرة في مختلف تفاصيل المشهد الثقافي السعودي والعربي بما أتيح لهم من ميزانية مالية ضئيلة، لكن إيمانهم بدور القناة الحيوي كان دافعا لهم لبذل أقصى جهد، فكان ما حققوه من إنجاز يشكرون عليه. واليوم أؤمن بأن جمهرة المثقفين قد احتفوا بإعلان تأسيس قناة الثقافية التي سيبدأ بثها في الشهر القادم وفق ما أعلن، وستكون مجموعة (MBC) مشغلة وصانعة لمحتوى القناة، وأنها «ستستهدف النخب المثقفة والجمهور العام بأسلوب عصري وحيوي عبر تسليط الضوء على مختلف مفردات الثقافة السعودية». والواقع فلا إشكال في الديباجة التي صيغ بها الخبر، لكن ما أقلقني كامن في الإشارة إلى أن القناة ستسلط الضوء على النخب والثقافة بأسلوب عصري وحيوي. ومكمن قلقي نابع من تفسير كلمة عصري وحيوي، لاسيما وأن المفاهيم قد تبدلت، والمرتكزات التي كنت كمثقف أتصور بأنها واحدة وثابة قد تغيرت، وأصبح للثقافة مفهوم شبابي مغاير لما تتلمذت عليه، ومختلف عما وعيته ممن سبقني من أساطين المعرفة والثقافة. في هذا السياق أشير إلى أن دراسة علمية قامت بإعدادها الكاتبة والمستشارة الإعلامية البحرينية الدكتورة لولوة بو دلامة لندوة النخب الثقافية والإعلام بمختبر الإعلام وقضايا المجتمع، وهو أحد مختبرات الحوار الثقافي الخليجي بمركز الخليج للأبحاث، قد أبانت عن مفهوم جديد لمصطلح النخب الثقافية، حيث اعتبر 79% من العينة المبحوثة في الدراسة بأن مشاهير التواصل المجتمعي بشكل عام هم من النخب الثقافية، بل وتعرفت العينة المختارة بنسبة عالية جدا قاربت ال 94% على عدد منهم بالرغم من عدم اشتهارهم بتقديم أي محتوى هادف فضلا عن أن يكون معرفيا؛ في الوقت الذي لم يتعرف أحد من العينة المختارة على عديد من أبرز المثقفين المعاصرين المشهورين في الوسط الثقافي الحقيقي. تجدر الإشارة إلى أن الدراسة قد اختارت 16 شابا وشابة بالتساوي بينهم أي 8 ذكور و8 إناث، وجميعهم من جيل الألفا كما يقال، أي أن أعمارهم بين 16 – 21 عاما، وينتمون لمملكة البحرين والسعودية ودولة الكويت، وتم عرض كثير من الصور بأسمائها على العينة المبحوثة بهدف التعرف عليهم من قبيل: الشيخة سعاد الصباح، والشيخة مي آل خليفة، والدكتور غازي القصيبي، والدكتور محمد الرميحي، والأستاذ خالد المالك، والدكتور عبدالله المدني، وآخرين من ذات النسق، وجميعهم حصلوا على نسب متدنية جدا وصولا إلى 0%. في حين حصل الفنانون من قبيل عبدالحسين عبدالرضا، وناصر القصبي، وريم عبدالله، وإلهام علي، وطلال مداح، وعبد الرب إدريس، وغيرهم على نسب متفاوتة بعضها قليل جدا كما هو الحال مع عبدالرب إدريس الذي بلغت نسبة التعرف عليه بحسب العينة المختارة 6%، والبعض الآخر وصل إلى 87% كما هو الحال مع الراحل عبدالحسين عبدالرضا. فيما حصد مشاهير التواصل كفوز الفهد، ورهف القحطاني، وسارة الودعاني، والمهرة البحرينية، وغيرهم، على نسب عالية جدا في تعرف العينة المختارة عليهم حيث لم تقل عن 80%، وبلغت ال 94%. وفوق ذلك كان تصنيفهم لهم بأنهم من النخبة الثقافية. أختم بالقول بأن الثقافة صناعة، وأذكر بالقاعدة المنطقية «كيفما تكون المقدمات، تكون النتائج»؛ وأتساءل باستغراب عن سبب تراخينا في تقديم الأجود مضمونا في مقابل الأكثر كما؛ وأشير إلى أنه حين يتم إقصاء المثقفين الأكفاء بحجة المعاصرة، وحين يتم تكريس القطيعة بين الأجيال المعرفية، حتى يصبح رواد المعرفة وصانعو الثقافة في وطننا كالعواد، والسباعي، والأنصاري، والمغربي، وغيرهم، من المومياء المجهولة، نصل إلى ما نحن فيه من ترهل ثقافي، وتزوير معرفي، وهو منشأ قلقي الذي أشرت إليه من لفظة الحيوية والعصرية. على أني أؤمن بأن سمو الوزير وقيادات الوزارة مدركون لمنبع هذا القلق، وأرجو أن يعالجوه بجودة ومتانة ثقافية. مرسلمن الكاتب للوكاد والاصل في صحيفة مكة