تختتم اليوم بطولة كأس العالم فيفا قطر 2022 بالمباراة الكبرى بين منتخبي الأرجنتين وفرنسا، وهو مكسب كبير للفريقين المستحقين الفوز بكأس العالم، على أن المكسب الأكبر في هذا المونديال كامن في كسر حالة التفوق من قبل منتخبات آسيا وإفريقيا، التي حققت انتصارا ساحقا على أقوى منتخبات العالم. كما أن هناك مكاسب أخرى مهمة على الصعيد الوطني والعربي والإلهي. على الصعيد الوطني، حققت المملكة العربية السعودية نصرا كبيرا على كل مكاتب العلاقات العامة الغرب صهيونية، التي تستهدف تشويه الصورة النمطية للمواطن السعودي بشكل خاص، وتعمل على ربطه بصور ونماذج مسيئة، فهو المتطرف في أفكاره الدينية والاجتماعية، والذي لا يقبل التعايش مع الآخر المختلف، وهو الكسول اللامبالي الذي يحب التباهي بماله ومقتنياته، لكن كل ذلك قد تهاوى مع رؤية المجتمع الكوني للمواطن السعودي في فعاليات مونديال قطر 2022، بل وبات مصدر سعادة لجميع الشعوب المشاركة التي دعته للبقاء حتى بعد خروج المنتخب من البطولة، وصار أيقونة في الترفيه والدماثة وخفة الدم، والعمل الدؤوب لإسعاد الآخرين بمختلف السبل الممكنة، ووضح حاله البسيط غير المتشدد والمبتسم والصانع للبسمة بلفظه وحركته، حتى باتت شعاراته أيقونة تردد بين كل الجماهير، فلفظة: أين مسي؟ وأهزوجة: مسي وينه، كسّرنا عينه، أصبحت شعارا ترددها الجماهير بأسماء أخرى. ولعمري، فذلك أكبر مكسب على الصعيد الوطني، ومصدر من مصادر القوة الناعمة التي لو دفعنا أموالا كثيرة لما حققنا جزءا مما تحقق على أرض المونديال. على الصعيد الخليجي، أثبتت قطر قدرتها الفائقة على تنظيم كأس العالم بكفاءة عالية، حتى إنها ستتعب من يأتي بعدها. وفي السياق ذاته فهي رسالة للعالم بأننا في الخليج العربي قادرون على تنظيم كأس العالم مرات أخرى، وباقتدار كبير ومهارة وتنفيذ غير مسبوق، وحتما هو مكسب لكل الدول العربية التي كانت حاضرة ومشاركة في هذا المونديال. على الصعيد العربي، قدم الشاب العشريني درسا للكيان الصهيوني المحتل لن ينساه أبدا، مفاده أن القضية الفلسطينية جزء أصيل في وعينا القومي، وأن الكيان الإسرائيلي لن يكون له وجود حاضرا ومستقبلا، وقوة هذه الرسالة أنها جاءت من شباب صغير في العمر، وغير مُسيس كما يقال، بل ربما في غالبه غير مهتم بالشأن الثقافي إجمالا، وكان المتصور أن الإعلام الصهيوني قد تمكن من غزو الساحة الشبابية، وتحويل موقفها من حالة الرفض إلى حالة القبول، وتخيل أنه بزرع أشخاص مجهولة ووصفهم بأنهم من فئة الأشراف زورا وبهتانا سيكون له دور في تمرير ما يريدون من أفكار ضالة مضلة على الصعيد التاريخي، تدعو إلى إقرار الوجود الصهيوني على أرض فلسطين، لكن كل ذلك قد تلاشى وذاب مع بزوغ شمس المونديال، حيث فوجئ مراسلو الإعلام الإسرائيلي بالرفض والإقصاء من كل الشباب العشريني العربي، فشكل ذلك صدمة لهم، ومثل انتصارا لنا بوجه خاص. وأخيرا، على الصعيد الإلهي الكوني، فقد مثل مونديال قطر صفعة قوية للشيطان تلقاها من جزيرة العرب، حيث أراد أن يحتفي بانتصاره على الله -عزّ وجلّ- في أكبر محفل كوني، وذلك بإعلان الشذوذ في حفل الافتتاح وخلال مباريات البطولة، وهو الذي يعد فاحشة كبرى على صعيد كل الديانات والشرائع والأخلاق الإنسانية، وهكذا يكون قد أشعل نار انتصاره في بطولة يتابعها قرابة المليار إنسان، ولا سيما أنه قد تمكن من تأسيس كثير من القوانين الظالمة، الداعمة لمجتمع الشذوذ في إطار كثير من الدول الغربية، وللأسف الشديد. لكن ناره قد خمدت وانطفأ لهيبها، وتكسرت نصاله على أرض قطر التي وقفت بقوة وتصميم أمام رغباته المهلكة لبني الإنسان، وساندها في ذلك اتحاد الفيفا، رئيسا ومسؤولين، فكان أن منعت دولة قطر العربية أي مظهر داعم للشواذ خلال البطولة، وصمدت أمام صرخة الشيطان المدوية، وتأليبه كل القوى المساندة له لمهاجمة قطر، وإثارة السلبيات المختلقة حولها. على أن المكسب الكبير قد جاء من تعاضد الجماهير الغفيرة مع الموقف الأخلاقي لدولة قطر، إذ لم يُسئها ما اتخذ من إجراء قانوني إزاء الشواذ، بل ولم تعترض أو تعبر عن استيائها من منع قطر شرب الخمور والبيرة الكحولية في ساحات الملاعب والمدرجات، وفي النهاية لم يتغير شيء من نشاط الجماهير وتفاعلهم، بل أصبحوا أكثر قوة وتنظيما، وهو ما لفت اتحاد الفيفا والمراقبين الدوليين. ختاما، أشير إلى مكسب قومي كبير متمثل في الحضور العفوي للغة العربية. ولنتذكر، فإن اللغة هوية وهي وجود، وما أحوجنا للمحافظة على هويتنا ووجودنا بين اووجودنا بين الأمم. نقلا عن مكة و مرسلة من الكاتب للوكاد