التحضر في المعنى القاموسي هو انتقال الناس من القرى والأرياف إلى السكن في المدن ما يعني زيادة السكان في المدن، وقلة سكان الأرياف، وهذه ظاهرة عالمية لها أسبابها المشتركة، وكذا المختلفة من بلد إلى آخر. وشهدت المملكة زحفا سكانيا للمدن الكبيرة، كالرياض، وجدة، والدمام، وغيرها من المدن، خاصة في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي لأسباب منها البحث عن فرص العمل المتوافرة بشكل واضح في المدن، كالوظائف الحكومية، أو وظائف في القطاع الخاص، إضافة إلى فرص الأعمال الحرة، كالتجارة، وبعض الصنائع لمن تتوافر لديه المهارات والخبرة في مجال من المجالات. إلا أن الأسباب لا تقتصر على البحث عن فرص العمل، فتوافر الخدمات ممثلة في البنية التحتية للكهرباء، والماء، والهاتف، والخدمات الصحية، والجامعات، والمعاهد العليا، كانت سببا مهما للانتقال إلى المدن، وكم من الجيران في المحافظة كانت هجرتهم بهدف التحاق الأبناء، والبنات في الجامعة. أدركت الحكومة أن الهجرة القوية كانت لها آثار سلبية في الاقتصاد، وفي برامج التنمية، ذلك أن سكان الأرياف بتركهم مناطقهم سيتخلون عن مزارعهم ومواشيهم، وهذا كفيل بإضعاف الاقتصاد الزراعي للوطن، وقلة الإنتاج الداخلي، ومن ثم الاعتماد على استيراد المنتجات، ذات الاكتفاء المحلي في السابق، كما أن برامج التنمية، وتوفير الخدمات، ينصرفان إلى المدن لمواجهة الاحتياج المتزايد، نتيجة النمو السكاني، ولذا اعتمدت الحكومة خطة الاهتمام بالأرياف، والقرى من خلال توفير خدمات الصحة، والتعليم العالي بافتتاح المستشفيات، والجامعات في جميع المحافظات، مع توفير متطلبات الحياة العصرية كافة، كشق الطرق، وسفلتتها، وإقامة السدود لمواجهة شح المياه، إضافة إلى خدمة الكهرباء، والهاتف، حتى حولت القرى إلى مدن صغيرة. الإجراءات المشار إليها سابقا كان من نتائجها تثبيت سكان مناطق الأرياف، والمدن، بل حدوث هجرة عكسية من المدن الكبيرة للمواطن الأصلية لتحقق متطلبات العيش المدنية، وتوافر فرص العمل، وانخفاض تكلفة المعيشة في الأرياف والقرى إذا ما قورنت بالمدن، وغلاء إيجاراتها، وارتفاع مستوى المعيشة مع حالة الزحام، وبعض المشكلات اللوجستية. أعتقد أن الاستمرار في تشجيع الناس على الاستقرار في مواطنهم الأصلية يعد أمرا مهما للحفاظ على الوحدة البيئية، ويساعد هذا الوضع على منعهم من أسباب الانتقال إلى المدن، ولا بد من معالجتها، حتى لا تصبح ظاهرة. وكلنا نعلم أن من أهداف مشروع السعودية الخضراء أنه يسهم في تحقيق تخفيض أسعار الديزل، وفواتير الكهرباء للمزارع، ودعم استزراع النباتات والأشجار المثمرة لمواجهة أي مفاجآت نتيجة الحروب والتغيرات الدولية. حقيقة، إن موضوع الهجرة من الأرياف أصبح قضية عالمية تنتشر في كثير من الدول حتى المتقدمة وصارت هذه المسألة تضغط على المدن في الخدمات، وارتفاع الأسعار، وهذا بدوره يصنع دورة من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، فالاقتراض للسكن، أو لشراء السيارة، أو لمواجهة متطلبات الحياة المتسارعة والكبيرة، يؤدي في حال العجز إلى الدخول في دوامة المحاكم، والشرط، والسجون، وهذا يترتب عليه تفكك أسري، وطلاق، وضياع الأبناء لتنتج دورة جديدة من الانحرافات للأبناء، خاصة صغار السن، وهذا بدوره يقود إلى إشغال دور الرعاية والجمعيات الخيرية ما يعقد الحياة ويصعبها في وجه من يدخل في هذا المشوار الشائك. نقلا عن الاقتصادية