خطب خطيب جامعنا في الرياض -أحسن الله إليه- خطبة أورد فيها حديثاً للرسول عليه الصلاة والسلام، نصه: (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه، خير له من أن يمتلئ شعراً) لا أعلم السبب في إيراد هذا في خطبة الجمعة ولا المناسبة، لكني توقفت كثيراً، ففي تراثنا العربي أن الشعر ديوان العرب والعرب أمة شاعرة يخفف فيها الشعر من مشاعر القنوط، ويأتي الرثاء والنسيب والوصف والتوجد من أهم أغراض الشعر، ربما كان المديح والهجاء بارزة في الدلالة على التعنصر البغيض وتهييج الناس ضد بعضهم وربما إشعال الحروب. بلغ من فصاحة العرب ولغتهم أن المشركين اتهموا النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- أنه شاعر، ولذا رد القرآن: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ} وفي القرآن صورة كاملة. الشعراء. أنصف الحق جل جلاله من كان من المؤمنين الذين يدافعون عن الدين والرسول والرسالة: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا * وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}. وصار حسان بن ثابت -رضي الله عنه- شاعر الرسول منافحاً عن الدين وناصراً للرسول -عليه الصلاة والسلام-. والإمام الشافعي -رضي الله عنه- روي عنه قوله (حسنة حسن، وقبيحة قبيح»، فالشعر الذي ينصر الحقَّ ويُؤيد الحقَّ، ويهدم الباطل وأهل الباطل؛ هذا مطلوبٌ، هذا مشروعٌ. وفي موقع الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- (فالشعر يختلف بحسب مقاصده ومراد صاحبه: فإن أراد الحقَّ والخير ومُقتضى شعره يدل على ذلك؛ فلا بأس في ذلك، ومن الدعوة إلى الخير، والدعوة إلى الحق، وإن كان شعره يدعو إلى الباطل والفساد؛ صار مذمومًا يجب منعه منه). وفي عصر الحضارة الإسلامية والعربية ظل الشعر وما برح لغة عالية القيمة والمقدار في الإبانة والدلالة والإفصاح عمّا يختلج النفس من مشاعر وشعور كان الحب أبرزها. كما قال الشاعر المدني الصديق الزميل محمد جبر الحربي: حاربت بالحب حتى عاد الحب منتصرا أو كما قال نزار قباني -رحمه الله- (الحُب في الأرض بعض من تخيلنا.. لو لم نجده عليها لاخترعناه). الشعر العربي فصيحه وعامييه فيه حكم وأمثال للشيم والقيم مثلما في قليله عكس هذا، وهنا بعض الاستشهادات التي قد تكون أمثلة طيبة. أحمد شوقي -رحمه الله- في نهج البردة مدح رفيع لرفيع المقام النبي محمد -عليه الصلاة والسلام-. وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ وَفَمُ الزَمانِ تَبَسُّمٌ وَثَناءُ الروحُ وَالمَلَأُ المَلائِكُ حَولَهُ لِلدينِ وَالدُنيا بِهِ بُشَراءُ الإمام الشافعي له شعر يرى أنه قد لا يليق بالعلماء: وَلَولا الشِعرُ بِالعُلَماءِ يُزري لَكُنتُ اليَومَ أَشعَرَ مِن لَبيدِ وَأَشجَعَ في الوَغي مِن كُلِّ لَيثٍ وَآلِ مُهَلَّبٍ وَبَني يَزيدِ وَلَولا خَشيَّةُ الرَحمَنِ رَبّي حَسِبتُ الناسَ كُلَّهُمُ عَبيدي لكن هنا قول الأمير الشاعر محمد الأحمد السديري -رحمه الله-: لولا الهرم والفقر والثالث الموت يالآدمي بالكون يا عظم شانك سخرت ذرات الهوى تنقل الصوت وخليتها اطوع من تحرك بنانك جماد تكلمها وهي وسط تابوت تاخذ وتعطي ما صدر من بيانك وعزمت من فوق القمر تبني بيوت من يقهرك لو هو طويل زمانك لولا الثلاث وشان من قدر القوت نفذت كل اللي يقوله لسانك بعد هذا هل من قول غير قول الشاعر: إن الذي ملأ اللغات محاسنا جعل الجمال وسره في الضاد بالتزامن مع الجزيرة الاربعاء 3- مارس 2022