لأسباب تعود إلى التراث، لحقت بالحمار صفات سيئة عدة لا تشاركنا فيها شعوب كثيرة، فهو حيوان أليف، و«يتحلى» بصفات جيدة لا تتوافر في غيره. ولكن في عالمنا يتلقى الضربات ولا يحظى بأي تقدير، وبه نصف من نكره. أما في الدول المتقدمة كالولايات المتحدة، فقد تحوّل إلى أيقونة سياسية وعلامة تجارية تدر الملايين سنوياً، فهو شعار الحزب الديموقراطي، ورمز الثورة والتمرد، واختاره المرشح الديموقراطي أندرو جاكسون عام 1828 ليقود حملته من على ظهره، كدليل على تواضعه وقربه من الناس العاديين، وبعيداً عن النخبوية، بعد أن اتهمه منافسه الجمهوري بأن شعاراته شعبوية ورخيصة! وبعدها بأربعين عاماً، أصبح الحمار رمزاً للحزب الديموقراطي، عندما قام رسام الكاريكاتير توماس ناست باختيار حمار أسود اللون و«عنيد» كرمز للحزب الديموقراطي، وهو يتبارز مع فيل «جمهوري» مذعور. وكان الناخب الأميركي الأمي يدلي بصوته في الانتخابات بناء على ميوله، فيختار الفيل أو الحمار، وبالتالي فإن الحمار لا يحمل في الذاكرة الجمعية للأميركيين صفة قبيحة، وإلا لما تم اختياره شعاراً لحزب قوي. *** قررت جماعة «حزب الحمير في الكويت» في أواخر سبعينيات القرن الماضي قبولي عضواً معهم، بعد أن توفر شرط العضوية الوحيد، وهو «الزواج»! كنا نجتمع بصورة دورية في بيت أحدنا، مع زوجاتنا، وعلى العشاء غالباً. ولم تكن عضوية الالتحاق بالحزب مرحباً بها، لقلة عدد محبي الحمير، لكن الحزب بقي طويلاً، قبل أن يطيح الزمن بأعضائه الواحد تلو الآخر. تمتع الحزب بميزة فريدة، وهي تساوي الأعضاء جميعاً في كل الحقوق، وغياب التراتبية فيه، فلا رئيس ولا لجان ولا أمانة سر. كما كان أغلبية الأعضاء من الميسورين مادياً، وبينهم عدد من أفضل أطباء القطاع الخاص، ولكن هؤلاء اضطروا، بسبب مضايقات عدة، إلى ترك الكويت والهجرة للدول الغربية، حيث لا يزال من تبقى منهم حياً يعيش فيها، بعد أن بلغوا من العمر عتياً. تُوفي يوم الجمعة الماضي في لندن أحد مؤسسي الحزب وأكثر أعضائه شهرة، وهو الدكتور المعروف «علي خالوها» الذي عرفه جيلي جيداً، ويقال إنه عندما ترك الكويت، كانت في عيادته عشرات آلاف ملفات المراجعين! تعود أصول الدكتور علي إلى إيران، حيث قدم إلى الكويت في أوائل الستينيات وفتح عيادة في شقة بمبنى في شارع مبارك الكبير، وما زال المبنى قائماً في الدروازة، واكتسب شهرة بين الكويتيين لأخلاقه العالية وتعامله الممتاز مع المرضى وقدراته العلمية، كما كان رحيماً بالعاملين معه، ولم يكن يتقاضى شيئاً من رقيقي الحال والمعدمين من مرضاه. نقدم صادق مواساتنا لابنته، ولزوجها الأخ سليمان العدساني. *** أثناء أحد اجتماعات حزب الحمير تم شطب الدكتور مسعود الصيرفي من عضوية الحزب، بعد أن توفيت زوجته إثر مرض لم يمهلها طويلاً. ولكن بعد بضعة أشهر، تزوّج الدكتور مسعود ثانية، ولم يكن مجبراً على «الاستعجال» في ذلك أبداً، فعُقد اجتماع طارئ للجمعية العامة، للنظر في طلب إعادة عضويته، فتم قبولها، بعد توافر شرط الزواج. كما قرر أعضاء الحزب كسر أحد أهم تقاليدهم، واختيار د. الصيرفي ليكون رئيساً لحزب الحمير، لاستعجاله غير المُبَرر في الزواج! نقلا عن القبس الكويتية