قدمت في ندوة »التراث والمستقبل« التي تشرفت بإلقائها بمعرض الكتاب الدولي بالرياض 2021م عددا من التوصيات التي أرجو أن ينظر إليها وزير الثقافة الأ مير بدر آل سعود، وكان على رأس تلك التوصيات مقترح مفاده أن يتم تسمية المعرض في كل دورة باسم أحد رواد المعرفة في ثقافتنا، ويخصص له ندوة فكرية لعرض سيرته، وبيان أهم كتبه، ومناقشة بعض مالمح تجربته المعرفية إجماال، وبالتالي سيكون عنوان المعرض كما أتخيل كاآلتي »معرض الكتاب الدولي بالرياض 2022م )دورة حمد الجاسر مثال(، وحتما فإن ذلك سيسهم في تعزيز عالئق التواصل بين األجيال المعاصرة وجيل الرواد في ثقافتنا المعرفية، كما سيفتح الباب للتنويه بجيل علماء األنوار العربي وفق ما بينتهم في محاضرتي، وهم أولئك األفذاذ الذين اكتفى المثقف العربي باإلشارة إليهم عرضا دون التبحر في تأمل أطروحاتهم المعرفية، ولعمري فذلك هو لب إشكال الحداثة لدينا لعدم إدراكها بأن جسر عبورها قائم على مفاصل الربط بأولئك وليس بغيرهم من علماء الأنوار االأوروبيين جملة. في جانب آخر فقد أوصيت باالهتمام بتنمية المتاحف الرسمية والخاصة لكونها الحافظ لتفاصيل موروثنا المادي والالمادي، وأشدد هنا على المتاحف الخاصة التي بات مالحظا زيادتها بين أفراد الناس من العامة، وهو أمر جميل نحتاج إلى تعزيزه وتنميته في ثنايا مجتمعنا، كما ال يستغني أولئك عن تقديم كل مظاهر الدعم اللوجستي من قبل هيئة التراث وهيئة المتاحف، وكم أرجو أن يكون لدينا قريبا معرض للمتاحف الخاصة، على غرار معرض الكتاب الذي يتاح فيه لدور النشر عرض إنتاجها، والحال في معرض المتاحف الخاصة كمعرض الكتاب، حيث يتاح لكل جامع أن يعرض ما لديه من تحف ولقى أثرية وموجودات خزفية عالوة على عديد من المقتنيات القديمة التي ترتبط بموروثنا الالمادي جملة، ويترك له اختيار المساحة المناسبة التي تمكنه من عرض موجوداته بحسب قيمتها التراثية وكثرتها. وحتما سيكون لذلك أكبر األثر في نفوس أبنائنا ابتداء، الذين سيشعرون بقيمة ما تختزنه ذاكرة مجتمعهم من موروث جميل يستحق المحافظة عليه ودعمه وتنميته مستقبلاا. في جانب آخر أشير إلى أن قيمة الشيء في مضمونه، وقيمة معرض الكتاب في محتواه، ويشترك في تقديم هذا المحتوى فريقان لكل منهما أهدافه وغاياته، وهما منتجو المحتوى وصانعوه الذين نطلق عليهم اسم الناشرين، ووزارة الثقافة ممثلة بهيئتها المعنية التي تنظم المعرض وتقدمه لجمهورها المستهدف. وإذا كان الناشر بعمومه مقيد بمفهوم الربح والخسارة، فنرى بعضهم يعمد إلى توسيع دائرة نشره دون اعتبار ألي ضابط معرفي أو قيمي من أجل أن يحقق الربح المناسب له، وبالتالي نراه منهمكا في طباعة ما هب ودب، ونشر أي كالم ألي راغب في أن يوصف بأنه كاتب ومؤلف، ومن هؤالء مشاهير ما يعرف بالسوشل ميديا، الذين أقحمتهم بعض دور النشر في عالم الكتاب رغبة في تحقيق منفعة مادية، وكان أن حققوا المراد جملة من خالل تلك العنوان الصادمة التي أزعجت النفس بغض النظر عن قيمة المحتوى المنثور من عدمه؛ إذ كان ذلك هو هدفهم، فإن هدف وزارة الثقافة مختلف بالكلية، لكونها معنية بحماية القيمة المعرفية من السقوط في شرك أولئك، بل ومعنية بحماية المجتمع من الوقوع فريسة في شرك العولمة السلبي، الذي إن تعمق في وجدان أوالدنا حاضرا ومستقبال سيكون له أكبر الأثر السلبي على واقعنا الحياتي، فمجتمع فاقد لهويته مجتمع ضعيف لن يكون له وجود في عالم األسياد مستقبال. من هنا أتصور بأن قيمة معرض الكتاب مستقبال ستكون في رفع سقف معايير المحتوى المعروض، من حيث قيمته األدبية واألخالقية، وسمته المعرفي، وهو ما سيؤدي إلى فرز دور النشر عن بعضها البعض وفقا لجودة محتواها بالدرجة الرئيسة، ويحمي المعرفة الحقة من السقوط في فوضى الجهل والتزوير والغبش الذي صار مستشريا عبر مواقع التواصل االجتماعي، تلك التي أسست لنظام التفاهة كما يقول أالن دونو في كتابه المهم. ختاما ومن باب اإلنصاف أحب أن أشيد بتلك الدور العربية التي التزمت بقيمها المعرفية وسمتها األخالقي، فلم تنشر سوى ما تراه مفيدا وله قيمة معرفية بوجه عام، وهي دور راسخة بعمقها الزماني والمكاني في وجدان المثقف المهموم، الذي ما إن يدلف المكان حتى يبدأ بالبحث عنها ليستنشق بعض هواء نقي في أروقتها، فطوبى لها هذا اإلجالل، وطوبى لمسؤول اكتنز في داخله قدرا كبيرا من المسؤولية المعرفية إزاء واقع نراه يتالشى بين أيدينا وأخاف أن نتالشى معه كليا. نقلا عن صحيفة مكة