قضية التعليم في مستوياته المختلفة قضية دائمة التجدد، واستمرار االهتمام بها ومتابعتها وتطويرها في كل وقت واجب على الجميع، فليس هناك ثبات في العملية التعليمية وال يمكن االنتهاء منها في مرة واحدة، بل التعهد الدائم للمتغيرات والتحوالت التي ال بد أن تحدث في المجتمعات يجعل استمرار التعليم وإصالاحه عملية ال تنتهي وال تتوقف. ولأن التطور وسرعة المتغيرات أصبحا معجزة عصرنا الحاضر فإن القائمين على العملية التعليمية يجب أن يسيروا بمناهجه وخططه بالسرعة نفسها التي يسير فيها العالم، وإذا لم يستطيعوا السير بسرعة موازية تخلفوا كثيرا، وهذا ما حدث عند بعض المترددين، وكان تخلفهم سببا في بعدهم عن المستوى الذي يجعل التعليم يؤدي رسالته، وال سيما في مجاالت التقانة والبحوث المعززة لها، واإلبداعات التي ال تتكرر في كثير من األحوال والصدف ال تعمل في كل األوقات، لكنها تعرض ثم تمر فال يستطيع من أغفلها اللحاق بها حتى ولو أراد. في الأسبوع قبل الماضي كان المقال في هذه المساحة عن جامعة الملك سعود وما يجب أن تكون عليه بين الجامعات في العالم، آخذين في االعتبار الفرص الذهبية التي أتيحت لها في الخمسين سنة الماضية التي ارتقت بها إلى مستوى معقول، ومن أهمها اهتمام الدولة بالتعليم واإلنفاق عليه بسخاء، وخصوصا جامعة الملكسعود، لسبقها تاريخيا للتعليم العالي، ولمكانتها في قلب البالد وتحت أنظار المسؤولين ورعايتهم، وألنها الجامعة الوحيدة ألكثر من عقدين قبل أن تلحق بها الجامعات التي أحدثت بعد ذلك وتحملت عنها بعضا من أعبائها. وقد نال المقال عددا ال بأس به من تعليقات المهتمين في التعليم من المثقفين ومن المتخصصين واألكاديميين الذين يدركون أهمية ما ذهب المقال إليه، ولم يكن الجميع متفقين على الحل المقترح الذي طرحه المقال، بل هناك وجهات نظر عدة تختلف مع ما جاء فيه وتقترح حلوال أخرى يرونها أقرب إلى إمكانية التطبيق وأسرع للقبول، وهناك من رأوا الموافقة على مبدأ التغيير مع بعض التعديالت التي ال تغير في مضمون المقال. وبين موافقة الموافقين واختالف المختلفين، أجمع من شارك في التعليق على الموضوع أن هناك مشكلة ال تخص جامعة الملك سعود وحدها، ولكن التعليم العالي برأيهم يحتاج إلى مراجعة دائمة وغربلة مستمرة توجب السرعة في فتح دوائر واسعة من الحوار والنقاش المفتوح، وطرح اآلراء من كل التوجهات حتى تنضج المعالجة السليمة لما يعترض مسيرته من عقبات ال تستعصي على الحل إذا توفرت اإلرادة الحازمة والنظرة المستقبلية التي تستوحي حاجة المستقبل، ومن حق كل مشارك أن يدلي بدلوه ويطرح ما يراه ممكنا العمل به. في السنوات المقبلة سيواجه المجتمع السعودي تطورا وتحوال غير مسبوق، والشباب الذين هم في سن التعليم اليوم أو من سيلتحقون به قريبا يحتاجون إلى تغيير جوهري في المفاهيم والمدارك والمتطلبات التي ستجد في السنوات القادمة وسيحتاج الناس فيها إلى نوع من التعليم مختلف في أهدافه ومناهجه وأغراضه وتخصصاته وما يطلب منه، ونحن ندرك أن توجهات الشباب لم تعد تقبل بأنصاف الحلول وال تقبل االنتظار أطول مما يمكن أن يكون، والحاجة ملحة للتوسع في التقانة بمعناها الشامل والمهنية واالحتراف بها. لح على تصور المستقبل ووضع المناهج التي تلبي حاجة الطالب إن القراءات المستقبلية تؤكد أهمية المراجعة الجذرية لفلسفة التعليم وأغراضه وما ُيراد منه، وُتعطي وتستجيب لما نتطلع إليه، وأهم ما يحتاج التعليم العالي في كل مستوياته ومراحله في بالدنا مساحة معقولة من حرية التغيير واستقالال نقلا عن صحيفة مكة