كان لمعرض الكتاب تنظيماً وعدد حضور مشرف ودعوة عدد كبير من الكتاب العرب والعالميين أيضاً، وحضوراً لافتاً لأهم دور النشر، إن كل ذلك يساهم في خلق مجتمع أكثر معرفة ووعياً، الوعي بالنسبة لي أهم من الثقافة والمعرفة، ولا يتعزز إلا برفع درجة ومساحة الآفاق، لتكتشف أن ما في رأسك من مفاهيم حقيقية هي أم أوهام، لذلك استغربت الضغط من بعض القراء على إحدى منصات بيع الكتب لمنع كتب نوال السعداوي. في الحقيقة لست متفقاً مع كل ما كتبته السعداوي، لكن فيما كتبت يستحق النظر، فالرفض المطلق يؤكد أن الأفكار المسبقة لا تزال تسيطر على قرارات الكثيرين وتحد من آفاقهم، ضيق الأفق هو عودة للتعصب والأحكام المسبقة، وهي صورة من الانحرافات الذهنية التي تقودنا لأخطاء كبيرة وفادحة. ليس صحيحاً أننا أمة ومجتمع يفتقد القدرة على تجاوزات التعصب والجمود الذهني، ومن يستشهد بفشل مشروع الراحل طه حسين الذي حاول أن يكسر التقليدية في تفكيرنا وضيق الأفق لنتجاوز الأفكار المسبقة، الحقيقة أن من عطل مشروعه لم يكن العوام الذين قذفوه بالأحجار، بل حتى بعض السياسيين ومسؤولي الدولة في ثلاثينات القرن الماضي، الذين حاولوا التكسب الشعبي على حساب تنويره، أما نحن اليوم ففي زمن الرؤية نعيش في المملكة أهم فترة تمر على الشرق الأوسط ترغب في التنوير والمعرفة، لذلك لا بد من تعزيز الحراك الفكري ضد أي انحراف، فمثلاً عبدالله القصيمي الذي حذر من الفكر التكفيري منذ سبعة وسبعين عاماً في كتابه "هذه هي الأغلال"، أنا أجزم أن هناك الكثير من الذين يختلفون ويتفقون معه، لم لا تقام ندوة عنه؟ خصوصاً أن هناك الكثير من المطلعين على أفكاره مثل الدكتور أحمد الواصل الذي كتب عنه عدة دراسات في كتابيه "مع الريح" و"ما وراء الوجه"، ومن الممكن أن يشارك أيضاً من يخالفه، المهم أن نعرف أن الأفكار ليست كلها صحيحة أو خاطئة، ولو رفضنا أي كاتب لأي اختلاف جزئي سوف ننتهي بتجاهل الجميع. تعزيز التفكير المنطقي أهم من التعليم، والفرد صاحب الفكر المنطقي قابل للنجاح أكثر من المثقف والمتعلم المنحرف والمتحيز ذهنياً، والتفكير المنطقي إذا تعزز بالاطلاع كان خلاقاً مبدعاً يحقق للرؤية أهدافها وتطلعاتها، أما التكفير فيبدأ بالرفض وإلغاء الآخر بسبب ضيق الأفق ورفض كل ما هو مختلف، وبالتالي ينتهي ليقرأ ما يؤكد قناعاته ويتجاهل غير ذلك، وتكون كثرة الكتب فقط لتعزيز الأفكار المسبقة من دون أي قيمة مضافة. نقلا عن الرياض