في بيانها األخير استعانت وزارة التعليم بعصا النيابة العامة الغليظة لتمنع طالبها من تصوير ونشر ما يظهر أمامهم من مخالفات وقصور في مدارسها. وجاء المنع بعد أيام قليلة من سماحها لهم باصطحاب جواالتهم للمدارس، واقتناص بعضهم فرصة وجود حالة من عدم الجاهزية لعدد من الفصول الدراسية،لتصويرها ونقلها للعموم عبر منصات التواصل االجتماعي. والحقيقة أن استحضار التعليم للنيابة العامة في بيانها استوقفني كثيرا، فمن جهة، هل هي بحاجة لالستعانة بطرف خارجي لفرض سلطتها على طالبها ومدارسها؟ ومن جهة أخرى، هل هي ملزمة بتبرير قراراتها أو الرجوع عنها؟ بالبحث في أسباب هذا االتكاء، ولماذا لم تكتف الوزارة بأنه إجراء لم تعد بحاجة إليه، تبين أن القصة بدأت يوم األربعاء 25 أغسطس بتصريح متلفز لمساعد مدير عام اإلشراف التربوي بالوزارة عبر قناة اإلخبارية، أكد فيه أن السماح بإحضار الجواالت إلى مدارس الطالب والطالبات سيسهل عملية الدخول إليها، واضعا ثقته فيهم. الايام التي تلت القرار شهدت جدال واسعا، أفرز تعهد مدارس بتطبيق القرار، وأخرى قررت عدم السماح لطالبها باصطحاب جواالتهم، وإبالغ أولياء أمورهم بذلك قبل بدء الدراسة. مع صباح أول يوم دراسي، 29 أغسطس، انتشرت مقاطع مصورة تظهر عدم جاهزية بعض المدارس للدراسة، دون التيقن من صحتها أو أماكنها. تبعها في المساء تغريدة للنيابة العامة على حسابها في تويتر، تذكر بعقوبة سوء استخدام الهواتف الذكية في انتهاك خصوصيات أماكن العمل بتصوير اآلخرين أو التشهير أو إلحاق الضرر بهم، أو بتجاوز اآلداب العامة. بعدها بيومين ألغت الوزارة قرارها األول، مستحضرة تغريدة النيابة العامة، وزادت عليها منع التصوير نهائيا داخل المدارس والمنشآت التعليمية. بالعودة ألصل نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية على صفحة هيئة الخبراء بمجلس الوزراء، يظهر أن المادة الثالثة من النظام هي الوحيدة التي تحدثت عن التصوير والنشر، حيث اعتبرت الفقرتان )4 )و)5« )أن المساس بالحياة الخاصة عن طريق إساءة استخدام الهواتف النقالة المزودة بالكاميرا، أو ما في حكمها«، و»التشهير بالاخرين، وإلحاق الضرر بهم، عبر وسائل تقنيات المعلومات المختلفة«، من المخالفات الموجبة لعقوبة السجن مدة ال تزيد على سنة وبغرامة مالية ال تزيد على 500 ألف ريال، أو بإحدى العقوبتين. وسؤالي هنا للنيابة العامة هو: هل المدرسة كفصول وساحة وجدران يمكن اعتبارها كائنا حيا يشعر ويتأثر ويمكن التشهير به، وتطبق على من يتجاوز عليه نظام الجرائم المعلوماتية، حتى لو لم ُيظهر التصوير أشخاصا بداخلها، بل رصد مخالفات ظاهرة فيها؟ وإن كانت كذلك، فلماذا إذن ال نسمع أنها اتخذت إجراءات ضد ناشري مقاطع تنطبق عليهم كل شروط »الجرائم المعلوماتية« بعد أن تفاعل الناس والمسؤولون مع تلك المقاطع إيجابيا؟ الأكيد أن هناك من يستخدم التصوير والنشر العشوائي لإلضرار بالمجتمع، وهؤالء يستحقون أن تطبق بحقهم العقوبات الرادعة بالنظام، ولكن األكيد أيضا أن بعض المقاطع كشفت عن مخالفات وجرائم لم يكن من السهل مالحقة مرتكبيها والوصول إليهم في الوقت المناسب لو لم تنتشر في منصات التواصل، والنيابة العامة نفسها مع وزارة الداخلية ال تخلو بياناتهما اليومية من االستناد على ما ينشر عبر هذه المنصات في عمليات البحث والتوقيف. لذا أعتقد أن من حق الناس على النيابة العامة معرفة الحد الفاصل بين ما يمكن نشره دون عقاب، واآلخر الذي ُيحظر نشره نهائيا، خاصة أن الكثير من المسؤولين أصبح اليوم يستخدم اسمها في االستقواء عليهم وعلى مالحظاتهم. ختاما، أهمس في أذن وزير التعليم »ينبغي أال تزعجك الصور التي انتشرت لبعض المدارس غير مكتملة التهيئة، وهي بالمناسبة قليلة جدا وال تلغي الدور الكبير الذي تقوم به الوزارة ورجالها المخلصون على كافة األصعدة، بل عليك شكر ومكافأة من صورها؛ ألنه كفاك عناء الوصول إليها، ومساءلة مسؤوليها عما كانوا يفعلون طوال ثمانية عشر شهرا أغلقت فيها المدارس أبوابها«. نقلا عن مكة