قرارات التغيير الهيكلية في أي اقتصاد تعد أمرا معقدا في الواقع العملي، ولو كان الأمر سهلا لشاهدنا معظم الدول ناجحة، فما بلك عندما تكون الخطة وطنية وشاملة وتصادفها أزمات عالمية ناشئة وغير متوقعة. لحسن حظنا أن توقيت إطلاق الرؤية 2030 كان مثاليا 2016 على الرغم من أننا لا نعرف ما يخفي القدر للعالم من مصاعب واجهها العالم لاحقا وكنا من الشاهدين في 2020. عندما أطلقنا الرؤية كان كل تركيزنا في 2016 وما تلاه من أعوام، هو التنافس مع أنفسنا في تنويع قاعدة الاقتصاد الصناعية والخدمية ومحاربة الفساد وتعزيز مصادر الدخل بعيدا عن النفط، ووضع كل الممكنات التي تجعل البلاد في وضع عالمي أفضل في مسارات اقتصادية واجتماعية وثقافية وبشرية، بما فيها تطوير جانبي التشريع والتنظيم. مع الأسف! تداعت أسعار النفط، وواصلت إيران المشاغبة في المنطقة، ودخلنا عسكريا في اليمن، لتدمير الوجود الاستراتيجي لإيران، وفي الوقت ذاته جهودنا في الداخل عملت دون توقف، فقد هيكلنا صندوق الاستثمارات العامة ووجهنا استثماراته إلى الأسواق العالمية والداخلية، وأسسنا عددا من القطاعات، وأصلحنا نظام القضاء، وحدثنا الأنظمة والتشريعات، وتحولنا إلى الحكومة الإلكترونية بشكل كامل، وكل تلك النجاحات ونحن نخوض حربا في الخارج، وندير ملف أسعار النفط لمنع تدهوره عالميا. وضع مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بعد تأسيسه، مسارات لمستهدفات خاصة ومباشرة باسم "برنامج التحول الوطني"، ممول من خارج ميزانيات الجهات التنفيذية، وكان يعمل بشكل مواز مع مشاريع الدولة الأخرى، وحقق البرنامج معظم المستهدفات بكفاءة، ولعل أهم التحولات الجوهرية التي نشهدها اليوم كانت من خلال برنامج التحول. تولد لدينا مستويان من النجاح، الأول كان من برنامج التحول الوطني، والثاني من تفاعل جميع الأجهزة الحكومية للانسجام والارتباط بالرؤية، وتحولت البلاد إلى خلية عمل لا تهدأ، وشهدنا حالة لم يسبق لها مثيل من الإنجازات شبه اليومية. تغير نمط عمل الأجهزة الحكومية في البلاد، وتحولت إلى كيانات تعمل بكفاءة مالية عالية، وبميزانيات أفضل، مقابل منفعة أكبر وأعظم من حيث الخدمات واستدامتها وتطورها. كما أسسنا مكتبا لإدارة الدين العام للبلاد، وحصلنا على تصنيف ائتماني دولي عال، عكس ثقة العالم بالسعودية، حتى أننا حصلنا على دين بفائدة سالبة في الوقت الذي نخوض فيه حربا. إن مصدر قوتنا مستمد من قيادتنا السياسية في المقام الأول، وفي قدرتنا على التحكم في الطاقة العالمية وضمان استقرارها عالميا، إضافة إلى عدالة القضايا التي ندافع عنها. وقبل الختام، لمسنا كيف نجحنا في ترقية البلاد وإدارة أزمة كورونا، ولا سيما أنها دخلت علينا وقد تخلصت البلاد من الفساد بشكل كبير، وكنا قد هيكلنا جزءا كبيرا من أجهزة الدولة، ووضعنا أسس الاستدامة، وما نجاحنا وتماسك اقتصادنا في أشد أزمة عالمية في هذا القرن إلا نتيجة من نتائج الإصلاحات. نقلا عن الاقتصادية