أولاً: ما "المرض السعودي"؟ وبماذا يختلف عن المرض الهولندي؟ المرض الهولندي هو كساد وضمور الصناعات الهولندية غير المرتبطة بالثروات الخام بعد ظهور الغاز الطبيعي بالإضافة لارتفاع سعر العملة -الجلدن الهولندي وقت ذاك- مما أضعف تنافسية الصادرات الهولندية الأخرى، المرض السعودي مختلف، البترول كان له الفضل في نمو الاقتصاد السعودي وظهور صناعات مختلفة ضخمة ومتنوعة وبناء احتياطيات أجنبية، لكن المشكلة أنه بقي شريان الحياة للاقتصاد السعودي بسبب وزنه الكبير في الإيرادات الحكومية والصادرات السعودية، بمعنى أن الغاز في هولندا ظهر بعد تطور الاقتصاد الهولندي وانعكس سلباً، بينما المملكة، ظهر البترول أولاً لبناء قاعدة اقتصادية ونقدية لكن يصعب التحرر منه، لذلك المرض السعودي مختلف ومعقد. معالجة المرض السعودي تعتمد على شيئين، الأول: تنظيم أسواق البترول لأهميته، ففي العام 2015 قام سمو ولي العهد بحوار مع مجلة (الأكونمست) -وهو أول حوار له- وتركز على تنوع الاقتصاد السعودي ومصادر الدخل، وبعد أشهر شهدت السياسة البترولية تغيراً ملحوظاً، كان التوجه سابقاً هو إضعاف المنتجين ذوي التكلفة العالية مثل: (الصخري) والذي لولا تكلفة إنتاج حقل (برميان) المنخفض نسبياً لانهار، وبدأ التحول لإدخال دول أكثر لمنطقة OPEC تحت شعار (أوبك بلس) ومنها روسيا، وفي اجتماع الجزائر تم الاتفاق وعاد تنظيم السوق وتحسنت الأسعار تدريجياً وثبت أن بقاء (الصخري) يعطي استقراراً استراتيجياً لصناعة البترول، ويجعل الولاياتالمتحدة تراعي هذه الصناعة، وثبت ذلك حين بدأ التنسيق السعودي الأميركي لإعادة تنظيم السوق في شهر أبريل الماضي. الشيء الثاني: خلق تنوع اقتصادي، لكن توجد صعوبات لا يمكن تجاهلها -توجد دراسة العام 2013 توضح زن كل ريال ينفق حكومياً ينعكس 0.6 ريال فقط على الناتج المحلي- وهو ما يوضح ضعف كفاءة الإنفاق وهو مؤشر للفساد، بالإضافة لحجم اقتصاد الظل وقلة البيانات مما كان يستدعي إصلاحاً هيكلياً وإصلاحاً واسعاً ثقافياً واجتماعياً ونظامياً ساهم بقوة في حد التعصب التعديني ومواجهة الفساد، وكان الإصلاح الهيكلي أهم بكثير من ارتفاع معدلات النمو غير الصحية في ظل بيئة تعاني من تشوهات، مثلاً: القوة العاملة لم ترتفع لكن جودتها تحسنت من حيث الأعمار والمهارات، وارتفعت مشاركة المرأة لتصل 31 %، وارتفعت بيانات الدولة عن المجتمع عبر حساب المواطن، والقطاع الخاص خصوصاً الشركات عبر رسوم العمالة والضرائب التي طبقت العام 2018، مما ساعد الدولة في تقدير حزمة التحفيز خلال الجائحة ودفع رواتب الشركات الصغيرة، وشهد القطاع غير النفطي ظهور قطاعات خدماتية كثيرة مثل الترفيه، والتعليم النوعي، والنشاط الثقافي، وغيره، وانحسر اقتصاد الظل بشكل ملحوظ خصوصاً في وجود بيئة رقمية. أخيراً، المرض السعودي يتطلب مراعاة ومتابعة أسواق البترول وحماية صناعة البترول من أي غبن، وفي الوقت نفسه العمل على تعزيز التنوع والنمو بعد الإصلاح الهيكلي، وهي مسألة وقت لكن الأصعب خلفنا، ولكن التحديات لا تنتهي، لذلك يراهن ولي العهد على المواطنين وهم أهله وإخوته في وجه هذا المرض، الذي سيقرأها العالم بالمعجزة السعودية، واحترام نفتخر بأننا كنا الجيل الذي حققه. نقلا عن الرياض