لعل من أكثر الفوائد منفعة لأمثالي وما أكثرهم في وطننا، ممن يراقبون تنامي حالة الغ بش والتيه التي باتت مسيطرة على وتيرة كثير من المشاركات والنقاشاتِ البينية في موقع «تويتر»، أن يكثر ذكرهم حوقلة واستغفارا، إذ الأمر لا يطاق دون الاستعانة به، والركون إليه، ليخرجنا من حلَق الضيق إلى أوسع الطريق. حين نشاهد كيف يتم استلاب الحقيقة بصورة فجة، ويتضافر على دعم ذلك لفيف من معرفات أكثرها وهمي ونكرة، لا نملك إلا أن نذكر ا حوقلة واستغفارا، إذكيف لصوت وحيد أن يواجه غوغائيين تذرعوا بحجج واهية لتأليب الناس في مجتمع «تويتر»، بهدف تكوين رأي عام لا يستند إلى قواعد منهجية صحيحة، ولا إلىأسس أخلاقية قويمة، ولا إلى مبادئ سياسية ثابتة؟ على أن تلك الحالة من الإحساس بالضعف والخذلان سرعان ما تنجلي حين يستشعر المرء موقفا صلبا لحكومته إزاء ما يجري الحديث فيه بتشويه وتزييفللحقائق، فتعلن بوضوح وقوة أن المملكة العربية السعودية وفية للقضية وشعبها، داعمة لخياراتهم العادلة، ثم ينبري أهل الحكمة من شخصيات معروفة للدفاع عناستحقاقات تاريخية لا يمكن إسقاطها بالتقادم، ويصعب تغيير موقعها بتغير القرن والأجيال، كما يظن من يراهن على إمكانية تغير المواقف. إنني أتحدث هنا عن قضية فلسطين العادلة، وعن شعب فلسطين المكلوم، وإنسان فلسطين الجريح، وحقوق فلسطين المسلوبة، وأرض فلسطين المنهوبة، وأشيرإلى أن كل ذلك نابع من موقف أخلاقي مبدئي تفرضه الأصالة العربية من قبل ومن بعد، وبالتالي ليس عدلا ولا أصالة أن نتخلى عن أخ جريح مكلوم، وننتقلَسفه وأساء إلينا.لمناصرة من اعتدى عليه ظلما وعدوانا، لمجرد ظهور مجهول ونكرة منسوب لأهل فلسطين ألسنا نحن معشر نبيه الخاتم الذين أوصاهم ربهم بقوله تعالى «وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما»، علما بأن الموقف الفلسطيني والشعبي ليس مع أي إساءة لنا حكومة وشعبا، ومع التذكير أيضا بأن الكيان الإسرائيلي الغاصب لم يلتفت حتى اللحظة إلى كل مبادرات السلام، وآخرها المبادرة العربية التي أطلقها الملك عبدابن عبدالعزيز يرحمه ا، والتي يمكن أن تحقق السلام المرجو في حده المقبول. حقا إنه لأمر محزن أن تشاهد عبر وسائط التواصل أناسا يصورون أنفسهم على أنهم من جلدتنا، وليس لهم من هم إلا تبييض صفحة اليهود، الذين أبان ا في كتابهالمحكم كذبهم واعتداءهم السافر على أنبيائهم، فتراه يرنو إلى الدفاع عنهم بمغالطات تاريخية وشرعية، وتبرير أفعالهم الإجرامية، ووصل بهم الأمر إلى إظهارفرحهم بأعيادهم، والمباهاة بالقرب منهم، ثم ليت الحال قد وقف عند ذلك، بل إن أحدهم ممن تلبس بانتماء عرقي عربي كريم، قد دعا صراحة إلى وجوب أن يكونكل مسلم صهيونيا، فهل بعد هذا السفه قول؟! على أن الغبش والتيه لم ينتهيا عند الإسفاف في قضية وشعب فلسطين، بل تعديا ليصلا إلى التطاول بجهل على الأقطار العربية، حين يظهر أحدهم متبنيا إخراجأهلنا في العراق والشام ومصر والمغرب العربي من أرومتهم العربية الأصيلة، ناسبا إياهم إلى أجناس تاريخية قديمة كالفينيقيين والأكاديين وغيرهم، ولعمري فذلكّ هو الجهل بعينه في موضوع التاريخ، وأحسب أن الأمر قد خرج عن حده المعرفي إلى جانب مشبوه، يسيء ولا ينفع، ويثير النقمة ولا يحقق الغاية المرجوة منتعميق التآخي والوحدة العربية. وفي قناعتي أن الأمر منوط بأقسام التاريخ العلمية، وبجمعية المؤرخين العرب، لإيقاف مثل هذا الافتئات وما يمكن أن يترتب عليه من آثار سلبية مستقبلا، ُ وتحجيم أولئك الذين جعلوا من أنفسهم مصدرا تاريخيا بجهالة. ولنكن على يقين بأن ما يقدم حاليا في «تويتر» قد أصبح له تأثيره الواسع، وصارت البرامج العالمية تتداوله بنهم كبير، ولنا في برنامج «ترندينغ» على شاشة «BBC عربي» أسوة ومثال. بقي أن أشير إلى ما قدمه الكاتب القدير الدكتور وليد سيف في ملحمته الدرامية «الدرب الطويل» ثم «التغريبة الفلسطينية»، لأتصور بأنه لو كان بمقدوره اليوم أنيكتب لوثق ما نعيشه من تغريبة عربية، فهل نحن واعون للمصير؟ نقلا عن صحيفة مكة