صباح العيد، سلب الإرهابيون أرواح أبرياء من شباب مصر. إرهاب أعمى، منظم ومؤدلج، وتقف وراءه قوى إقليمية ودولية، لا تغيب نياتها عن أعين «حورس» المصري، في الحال أو الاستقبال. ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة؛ لكن ما يغيب عن ناظريّ الحاقدين والكارهين هو أن مصر الدولة المركزية الأولى تاريخياً حول العالم، عصية على الانكسار، ترفض الهوان وتأبى الاستسلام، وقد صرخ فنانها الكبير محمد نوح في أعقاب النكسة في يونيو (حزيران) 1967: «مدد مدد مدد... شدي حيلك يا بلد... إن كان في أرضك راح شهيد... فيه ألف غيره بيتولد». لم تعقم الرحم المصرية، ولن تعقم أبداً، فقد جاء سيل الشهداء في أكتوبر (تشرين الأول) 1973، ليبهر العالم بمعجزة العبور، والانتصار، وتحرير سيناء، واسترجاع ترابها الوطني حتى آخر ذرة. مخطئ من يظن أن الإرهاب سوف يترك مصر في القريب العاجل. إنها منظومة من الشر الأزلي المتربص بالكنانة، إنه «ست» إله الشر، المتخفي في رمال الصحراء هناك، عازماً القصد والنية، على ألا تبلغ مصر شأناً غالياً وشأواً عالياً. يدرك المصريون ذلك تمام الإدراك، وعليه فإنهم يواجهونه بحزم لا يلين وعزم لا ينقطع، حتى وإن كان الثمن دماء شباب المحروسة، الذي لم ينقطع منذ قاتل أحمس الهكسوس وهزمهم في أواريس، وصولاً إلى العريش؛ حيث نجحت قوات الأمن والجيش المصري في مطاردة الإرهاب المر رغم الثمن الفادح. لماذا يطارد الإرهاب مصر على هذا النحو؟ وما الذي يسعى وراءه الإرهابيون؟ الجواب يتسع على المسطح المتاح للكتابة؛ لكنه ومن دون شوفينية من جهة أو تحكيم نظرية المؤامرة من جهة أخرى، هناك من يسعى لقطع الطريق على المصريين، ليصيب مشروعهم للتنمية والحياة، للنماء والازدهار. وقد كانت سيناء ولا تزال بوابة مصر الشرقية، التي حاول أن يلج منها الأعداء عبر الزمان وفشلوا مولين الأدبار. يسعى الإرهاب جاهداً وعامداً عبر خطط أممية لا شك فيها، إلى أن يثني مصر عن مشروعها الأكبر، تنمية سيناء، ذلك التحدي الأهم الذي أخذته «مصر 30 يونيو» على كاهليها، وها هي تقترب الهوينى منه. وعلى غير المصدق أن ينظر إلى الأنفاق المعجزية التي تسهل الانتقال إلى «أرض الفيروز»، وتيسر العمار والازدهار، حجراً وبشراً، حتى تضحى رمالها حدائق غناء، وأراضيها مصانع رجال لا تهدأ ولا تكل، من أجل مشروع زرع سيناء بالبشر قبل أي شيء آخر، ما يعدل ويبدل من التوازنات الديموغرافية في منطقة غالية على الوطن، يترصدها الأعداء منذ زمان وزمانين. لا يوفر المرء الدلالة الرمزية لعدة مشاهد مرتبطة بالعمل الإرهابي الأخير في العريش، وفي مقدمها الموعد الزمني، 5 يونيو، وكأن هناك من يحاول أن يذكر المصريين والعرب بالماضي، وينسى أو يتناسى أنه أضحى من خلف الذين عبروا «خط بارليف» الحصين من جهة، وأسقطوا ساتراً ترابياً ورملياً، قال الخبراء إنه في حاجة إلى سلاحي المهندسين الأميركي والروسي معاً، أو قنبلة نووية لهدمه، وفاتهم أن جيش مصر هو مصنع الرجال أولي العزم والقوة. عطفاً على تنمية سيناء الماضية قدماً، يكاد المراقب لشأن «أم الدنيا» أن يرصد تحسناً للأوضاع الاقتصادية، تشهد به المؤسسات المالية العالمية، انعكس في قوة الجنيه المصري وارتفاع قيمته في مقابل الدولار، من جراء أسباب كثر، منها زيادة الاستثمارات الخارجية، وثقة المصريين في الخارج التي تدفعهم لتحويل مدخراتهم إلى الداخل المصري، وعودة طيبة بمستويات مقبولة للسياحة الأجنبية، وامتلاء مصر عن بكرة أبيها بالسياحة العربية، بعد أن باتت مصر محط رحال الأشقاء العرب. ما تقدم ليس إلا رجع صدى لاستقرار مصر السياسي والأمني، ولشعور المواطن والمقيم بحالة من الاطمئنان على النفس والمال والولد، حالة - ومن أسف - مفقودة في كثير من دول الجوار، الأمر الذي لا يرضي أصحاب «سر الإثم» القائمين على دفع «ست» من جديد، لمواجهة الصقر المصري. أثبت حورس المصري مؤخراً أنه قوة حقيقية لا تقهر، تعمل في صمت، من دون أصوات زاعقة أو رايات فاقعة، إنه حورس المهيب والمخيف لكل من يتآمر على مصر والمصريين. قادر الصقر المصري على الانقضاض على فرائسه في الحل والترحال. إنها مصر التي يظن المرء أنها نائمة، فإذا استيقظت تأمر الجبل أن ينقلع وينطرح في اليم، فلا يمكنه التلكؤ، وليس عليه إلا الاستجابة الفورية. خلال بضعة أسابيع سوف تشهد مصر بطولة أفريقية كروية، تعد الأقوى على مستوى القارة السمراء، وهي دليل آخر على مصر القوية الماضية في طريق الانتصار لا الانكسار، ما يحزن قلب أعدائها. مثير جداً شأن المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان المرائية، لا سيما «هيومان رايتس ووتش»، تلك التي ملأت الدنيا أكاذيب حول مطاردة مصر للإرهاب في سيناء، إذ ابتلعت لسانها وصمتت كالحملان، أمام إعلان «داعش» تبنيه عملية العريش الأخيرة. الخلاصة: مصر تتحدث عن نفسها: ما رماني رامٍ وراح سليماً... من قديم عناية الله جُندي نقلا عن الشرق الاوسط