أكبر المدن الجامعية في العالم شهد ميلادها قبل عشرة أعوام كوكبة من زعماء العالم، وشكلت حلم ملك عظيم، وحملت بين طياتها مستقبل الوطن العلمي والبحثي المتطور، ووعدت بالريادة في الابتكار والتفرد في التقنية، والتميز في التواصل الحضاري والانفتاح على العالم، واحتضان المواهب، وخلق بيئة مختلفة في التواصل الإنساني والتعايش البشري الذي تجمعه المعرفة، ويهدف إلى نفع الإنسانية، وجعلت من منطلقاتها وأهدافها أن تكون بحلول عام 2020 ذات شهرة بحثية عالمية، تضاهي البحوث التي تجريها أفضل (10) جامعات للعلوم والتقنية في العالم، وتكون قادرة على تنفيذ أحدث البحوث الأساسية والبحوث الموجهة نحو تحقيق أهداف محددة في المجال العلمي والتقني، بالتركيز على الأثر وليس الكم، وتقديم مساهمات ملموسة للتقدم في المجال ذاته، وسيتمتع خريجوها بمهارات كافية وتدريب عال، ويملكون القدرات والدوافع، ليكونوا قادة في مجال التعليم وريادة الأعمال، وأنشطة الأبحاث والتسويق، وسينعكس ذلك على إيجاد فرص العمل، وتنمية الصناعات الجديدة، والنمو في الناتج المحلي الإجمالي، للإسهام في تنويع وتعزيز اقتصاد المملكة العربية السعودية. ونحن على أبواب (2020) وفي ظل الرؤية الوطنية الهادفة للوصول إلى مرحلة التحول الوطني بهذا التاريخ، يفترض أن ما حققته «كاوست» من إنجازات في بناء الكوادر البشرية، وتمكين اليد العاملة الوطنية المحترفة، يكون له أبرز الأثر في قيادة ودعم محاور الرؤية ومجالاتها الرامية إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من التنوع الاقتصادي، خصوصا في توطين الصناعات في المجالات المدنية والعسكرية، وبدء مشروع البناء التنموي الذي ضخت في شرايينه مليارات الريالات في شتى المجالات المختلفة، ولما للجامعات من دور مهم في تعزيز مسيرة الرؤية وتحقيق أهدافها فإن جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية «كاوست» قد نذرت نفسها، وجنّدت قواها البشرية، ووجهت أهدافها نحو كثير مما تضمنته مستهدفات الرؤية الوطنية ضمن رؤيتها ورسالتها ووثيقة تكوينها، إضافة إلى ما تتميز به من الموقع الحيوي المطل على البحر الأحمر الذي يشغل بمحيطه الجغرافي إستراتيجية تجمع كثيرا من مرتكزات الرؤية ومشاريعها الرائدة، وفي مقدمتها مدينة نيوم، ومشروع البحر الأحمر، وميناء الملك عبدالله، وغيرها من مكونات الاقتصاد ومنطلقات الرؤية التي تحتضنها سواحل البحر الأحمر من خليج العقبة إلى موانئ وجزر منطقة جازان. ومن أسباب النجاح الضرورية وجود قدر كبير من التكامل بين جهات التنفيذ ومراكز الأبحاث والاستشارات، من خلال توظيف الجهات والمؤسسات المتخصصة، وتنمية دورها، وتعزيز موقعها، كمساهم رئيس بمواردها المالية، وطاقاتها البشرية، وشراكاتها العالمية، وهذا أمر مهم من شأنه تخفيف الأعباء على الخزينة العامة للدولة، فلو أسندت الدراسات البحثية المتعلقة بالمشروعات للجامعات، بحسب اختصاصاتها، ضمن أدوارها ومهامها ومسؤولياتها الوطنية والمجتمعية، لتحقق من ذلك عوائد ذات جدوى في مجالات الإنفاق والمنافسة والتطوير والجودة. ويمثل التميز البحثي لجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية «كاوست» في مجال الدراسات العليا مصدر ثقة يؤهلها للقيام بدور حيوي في تنفيذ الدراسات، وتقديم الرؤى والمشورات، بالتعاون مع الوزارات والقطاعات المعنية، وتقديم الخبرات لتلك الجهات، ومن أهمها المجال التقني بكل جوانبه الدقيقة والعامة، وأن تضطلع بدورها الوطني المضمن في وثيقة تأسيسها بتدريب قادة المستقبل في مجال العلم والتقنية، وينشط الابتكار وتأسيس المشاريع لدعم التنوع الاقتصادي القائم على المعرفة، من خلال التكامل بين العلم والتقنية. إن كثيرا من المشتركات بين أهداف الرؤية الوطنية (2030) ومنطلقات «كاوست» تجعلنا نتساءل عن الدور الذي قامت به هذه الجامعة، التي ولدت لتكون عملاقا عالميا، وقبلة بحثية، ومركزا يفوق كافة المراكز الإقليمية، وينافس على الساحة العالمية، هل هو غياب الجانب الإعلامي عن تسليط الضوء على هذا الدور؟ أم أن الحلم أكبر من الواقع داخل هذه المؤسسة؟ ولن يغيب عن أذهاننا هذا التساؤل -بحكم ما توليه الدولة من اهتمام بالغ بقطاع التعليم والبحث والابتعاث- حتى نرى هذا الأثر ملموسا على واقعنا، ومواكبا لهذا الاهتمام الكبير. نأمل أن تسهم هذه المؤسسات العلمية الكبرى مساهمة فاعلة في تقديم الدراسات اللازمة، وتحمّل جزء من الأعباء والمهام التي يستقطب لها خبرات عالمية من وجهات مختلفة بنفقات عالية التكلفة، كما نتطلع لأن تقود هذه الجامعة وبقية الجامعات منصات التصنيع النوعية في المجال الإلكتروني، وتطوير تقنيات العلم المختلفة، وأبحاث النانو، وعلوم الفضاء، وأبحاث البحار، والعلوم البيئية، إضافة لما يسهم به مع القطاع الخاص في تحفيز وتدريب اليد العاملة في مجال التصنيع والتطوير لجوانب الخدمات الأخرى المتنوعة، كتصنيع البتروكيماويات والسيارات والتجهيزات الطبية، ومتطلبات المشاريع الإنشائية، واحتياجات الحياة المتجددة. نقلا عن الوطن