لماذا تخلف العرب في عصر التقدم العالمي؟ سؤال واحد يحتاج إلى ألف إجابة، ولكنها مع ذلك قد لا تكون الإجابة الشافية أو الحل الأمثل الذي تبحث عنه كل الإجابات، لكن واقع العرب وحالهم لا بد أنه أصبح ظاهرة لافتة للنظر ومجالا صالحا للدراسة بل مأساة يعيشونها واقعا لا يمكن تجاهله، ولكنهم يختلفون في أسبابها وعللها ولماذا آل أمرهم إلى ما هم فيه من متاهات لا يزالون يتيهون فيها، ولا بد أن تلفت هذه الظاهرة نظر طلاب الدراسات السياسية وطلاب الدراسات الاجتماعية والدينية ومن يهتم بالشأن العام ومن لا يهتم به، ومع ذلك فإننا لا نجد دراسات جادة في هذا المجال ولا قلقا يستثير العقول ويحركها للبحث عن أسباب هذا التخلف أو كيف الخروج منه، والغريب أن هذا الوضع يحدث للعرب في الوقت الذي تفجرت فيه المعلومات والتقانة ونهضت أمم الأرض في الشرق والغرب وتحسنت أحوال الناس ومعارفهم وأدرك الكثير منهم الضار من النافع، ونمت الدول واستقرت أو استقر حال أكثرها، وأهم من ذلك أن العالم العربي والدول العربية تملك من الثروات الطبيعية ما لا تملكه أعظم الدول نموا ورقيا وتحضرا، ومع كل ما فيها من الخيرات انتكست إلى الوراء مسافات بعيدة وعجزت عن أن تواكب ركب التقدم أو تسير وراءه، ولو متأخرة بمسافات، وتراجعت في كل شيء، في الاقتصاد وفي التعليم وفي التنمية في كل صورها ومتطلباتها، وساءت أحوالها وتفككت وحدتها وتحولت من دول غنية مستقرة إلى دول فاشلة في بعض الأوطان، وشعوب بلا دول وبلا أوطان، صارت عصابات وجماعات وقبائل يقتل بعضها بعضا ويغزو القوي منها الضعيف وينهب القادرون ما في أيدي العاجزين. هذا الحال وهو الواقع المشاهد ولا أظن أن أحدا يجادل في أن العرب يواجهون مشكلة كبيرة، فما الحل الممكن وما العمل الذي قد ينقذ ما بقي من الضياع؟ لو نظرنا كيف بدأت المشكلة لوجدنا أنه بدأ الضعف والفوضى في دولة الصومال العضو في جامعة الدول العربية قبل أربعين عاما فتخلى عنها العرب وتركوها وشأنها، وكان الحزم والحذر ألا تترك ثغرة الصومال نازفة لكيلا تنتقل عدوى الفوضى إلى المحيط المجاور، وذلك ما لم حدث، فانتقل مرض الفوضى إلى السودان وكانت الحرب والتقسيم، ولم تقف كرة الثلج حتى تدحرجت على جميع الدول العربية، وها هي العراق والشام واليمن وليبيا تحولت إلى ما تحولت إليه الصومال وكلها دول فاشلة، انحل عقدها وتشتت أمرها وضاقت الأرض بأهلها، ولم يبق بلد عربي لم تمسسه نار الفتنة إلا القليل. هذا الحال فكيف المآل؟ لو تدبرنا أسباب ما حدث من خلافات وفتن وتأخر سنجملها في ثلاث نقاط: الأولى الفراق الكبير بين الحكومات وشعوبها، ولا سيما بعد موجة الانقلابات العسكرية وقادتها الذين انغلقت دائرة اهتمامهم على أنفسهم والمحافظة على مكاسبهم فانفصلوا عن المجتمع وانفصل المجتمع عنهم. الثانية: ظهر في المجتمع قيادات محلية رأت أن الحاضر سبب التخلف وأن الإصلاح هو الرجوع إلى الماضي والأخذ به ولم تضع المستقبل في حسابها، وملأت الفراغ الوجداني الذي تخلى عنه العسكر، وكانت استجابة المجتمع كبيرة لدعاة هذا الرأي، ونتيجة ذلك دبت الفتنة ودعوا للجهاد في غير زمانه ومكانه، وأشعلت نار البغضاء بين الحكومات والشعوب ومن الطبيعي أن يكون الخلاف بينهم عميقا. الثالثة أن كلا من الفريقين يراهن على الشعوب وعواطفها الجياشة حول فلسطين وتحريرها، وكل منهما يلعب على هذه القضية، فكانت النتيجة ضياع الشعوب وضياع الدول وضياع فلسطين. بقي الأمل في أن يعرف الجميع حجم الأخطاء التي وقعوا فيها، وأن يعتبروا بما مضى منها، وأن يجدوا طريقا أفضل للمستقبل الذي ينشده الجميع لهم وللأجيال القادمة إلى الحياة، وألا يقعوا أو يكرروا أخطاء الماضي التي يعرفونها جيدا. والأعمال بخواتيمها. نقلا عن صحيفة مكة