في كل عام تعلن بعض المراكز التي تزعم التخصص في الشأن الأكاديمي تقريرها السنوي عن ترتيب الجامعات العالمية ومستوياتها؛ ومنها مركز شنجهاي لتصنيف الجامعات، وقد أصدر تقييمه السنوي منذ أسابيع. وسياسة تلك المراكز أنها تنشر قوائم قصيرة تختار فيها أشهر الجامعات التي لا يختلف على مكانتها اثنان، ولا تحتاج إلى شهادة تلك المراكز، وتضعها في المقدمة، وقوائم طويلة تضع فيها بقية جامعات العالم الأخرى التي تبحث عن تقرير مستواها. هذه المراكز المتخصصة أو التي تدعي ذلك تعرض خدماتها على هذه الجامعة أو تلك، وترسل موظفيها إذا رغبت بعض الجامعات في العالم الثالث بمباركتها وتزكيتها لتحديد مستواها الذي تتوق إليه لتعلنه وتفاخر به، بينما الجامعات التي تثق بنفسها وتصنع مستواها لا تريد شهادة هذه المراكز في شنجهاي ولا في إسبانيا ولا في غيرها من بلاد الله الواسعة، لكن تلك المراكز هي التي تسعى إليها، ولا اعتراض على وجود من يضع الجامعات في العالم في مستويات ويصنفها في مجموعات ويعطي كل مجموعة حقها أو ما يعتقد أنه استحقاق لها. لكن دعونا نمارس حقنا مع هذه المراكز ونقول عن الجامعات ما نعتقد أنه هو المقياس الحقيقي الذي يحدد مستواها ويعزز مكانتها حتى يعرفها البعيد والقريب، ومن درس في الجامعة ومن لم يدرس بها. إن الذين يضعون الجامعة في موضعها الذي تستحق ويشهدون لها ويعززون مكانتها ومستواها هم: أولا: الأساتذة المتميزون في الجامعة الذين يملؤون المكان ويشغلون في بحوثهم واختراعاتهم وأفكارهم مساحة واسعة من الواقع الذي تحتله الجامعة، والمجتمع الذي يحظى بوجودها ومكانتها وريادة الأعمال ويقر بذلك ويقدر هؤلاء الأساتذة في كل الفنون التي يتطلبها المجتمع يبدع أساتذتها وتبرز مواهبهم في شؤون الحياة العامة والخاصة، ويعرف الناس أن الجامعة يعمل بها المفكر الفذ والمخترع المبدع والمؤلف النشيط والمحاضر البارز، والمجتمع يقرأ لهؤلاء ويعرفهم ثم يعرف الجامعة التي ينتسبون إليها ويعيشون بين جنباتها ويثرون الساحة في كل مناشط الحياة التي تسعد البشرية كافة، وتنتقل خدمات الجامعة إليهم أين كانوا وتعينهم في حياتهم، هؤلاء هم اللبنة الأولى التي تؤسس الجامعة عليها بناءها الشامخ ومستواها وتفتخر بهم وتبز الجامعات المنافسة إذا حققت الريادة أو حققت كوادرها العلمية والأكاديمية تقدمها. الثاني الذي ترتقي به سلم الأولويات هم طلابها أبناؤها الذين يتخرجون في رحابها بعد أن تزودهم بالمعرفة النافعة ويتعلمون أثناء وجودهم في ردهاتها علوما راسخة ونافعة، ويصبحون رسلا لها في كل مكان يعملون فيه وفي كل مجال يتاح لهم الوصول إليه، تأهيل الطلاب بقدرات متميزة يباشرون فيها الحياة هو الذي يحدد مستوى الجامعة بين الجامعات، وهؤلاء هم الشهادة الحقيقية للجامعة، وهذا هو المستوى الذي تحتل فيه مكانها بكل ثقة ومقدرة حين تؤهلهم للمستوى الأعلى. الثالث الذي يحدد للجامعة مكانها الطبيعي برامجها الأكاديمية العلمية الراسخة في المعرفة والقادرة على صنع الإبداع والمعارف العامة للطلاب. هذه الجامعة وأمثالها لا يحدد مستواها غير ذاتها ولا تحتاج تزكية مراكز متخصصة تقع في شطر الدنيا، الذي يرفع مستوى الجامعات ويعلي شأنها، هؤلاء جميعا إذا تكاتفت جهودهم واتحدوا في سياق علمي ظاهر النفع، وليست تلك الجامعات التي تصمم برامجها لاحتياجات السوق ولا تلك التي تعد برامجها لاسترضاء فئة من الناس أو جماعة منهم، ولا تلك التي تخاف أن تفعل ما تريد من أجل من لا يريد، ولا تلك التي يوجه مسارها العلمي بعض الذين لا يفرقون بين وظيفة الجامعة والجامع. نقلا عن صحيفة مكة